قالت: «ليس في هذا المكان رجال، ولا أحد يهمكم أمره، فلا حاجة إلى دخولكم إليه.»
قال: «ونحن إنما جئنا لأجل النساء أليست مريم النصرانية هنا؟» قال ذلك وهو يضحك، ومد يده إلى وجه مريم فنفرت وتباعدت، فأمسكت ميمونة بيد بسطام وقالت: «لا تفعل أيها الأمير ما لا يليق بالأمراء واعلم أنك إذا مسستها عرضت نفسك لغضب أمير جند المسلمين.»
فصاح بسطام فيها صيحة شديدة، وقال: «من أقامك ناصحا أو نذيرا؟ وما هو شأنك؟ إني لا أخاطبك.» قال ذلك وحول وجهه ومشى نحو مريم، فبالغت ميمونة في ممانعته وقبضت على زنده فتخلص منها بعنف، فوقعت على الأرض، فالتفت إلى الرجلين وقال: «قيدا هذه المرأة بيديها ورجليها واحبساها في هذه الغرفة، واقفلا الباب عليها.»
ولم يتم قوله حتى انقض الرجلان على ميمونة بالأمراس، وقيدا يديها ورجليها وهي تصيح وتستغيث وتحاول التخلص، ومريم تهم بإنقاذها وبسطام يمنعها بدون أن يمسها بيده، وهو يقول لها: «لا تخافي يا جميلة، إننا لن نصيبها بسوء وإنما أردنا إيقافها عند حدها.» فلما فرغا من تقييدها، جرها الرجلان نحو تلك الغرفة فالتفتت نحو بسطام وهي تقول: «لا بأس علي مما فعلتموه بي، ولكنني أتوسل إليكم ألا تمسوا هذه الفتاة بسوء.»
ثم دخل الرجلان بميمونة إلى بعض حجرات ذلك البيت وأغلقا الباب، فلما خلوا هناك تركاها وشأنها فقالت بصوت خافت: «من هو عدلان منكما؟»
فتقدم أحدهما وأزاح اللثام عن وجهه، فبانت ملامحه ونظر إليها بعينه الحولاء نظر المحب الولهان، وقال: «أنا عبدك عدلان، أرجو أن أكون قد أديت مهمتك كما تشائين.»
قالت: «بورك فيك.» وابتسمت، ثم أردفت: «قل لي أين هو هانئ؟ وماذا فعلت به؟»
قال: «فعلت ما أمرتني به يا سيدة النساء وإنما أرجو أن تكوني راضية عن عبدك وأسير هواك، وتتحققي أنك لا تجدين من يذعن لأمرك وينفذ مآربك سواي.»
فابتسمت ابتسامة أخرى وحركت أجفانها حركة الدلال والرضا، وقالت: «إذا كنت قد فعلت ما فعلته بخفة ولباقة فإني راضية قل لي أين هو هانئ؟»
قال: «أظنه لا يزال تائها في هذه الصحراء يفتش عن حبيبته.»
صفحة غير معروفة