15
وكانت الصور الحية في الدهور الغابرة أقرب بعضها إلى بعض، ثم تشعبت من حول أصلها الأول، وأخذت تتباعد يوما عن يوم حتى كثرت الصور الجديدة. فالصور القديمة إذن ذات صفات تتوزع وتتخصص، وتكون الأجناس المختلفة ويسميها أغاسيز الصور الأنبائية
16
أو الأصول المتقدمة. وهذه الأصول الأولى لا تلتقي إلا في جزائر منفردة حيث التنازع قليل كالأرنيثورنقس العجيب (حيوان ذو منقار)، واللالبيدوزير وغيرها.
وقد رد دارون أيضا على من يرى عدم ارتقاء كثير من الصور الحية تخطئة لمذهبه بما معناه أن كثيرا من الحيوان، بل غالبه فيه أعضاء موروثة لا فائدة لها، وقد تكون مضرة لاختلاف أحوال الوارث عن الموروث عنه، كرجلي الفرقاطة
17
مثلا فإنها في غنى عن الغشاء بين الأصابع؛ لأنها لا تعوم كأجدادها التي كان مثل هذا الغشاء لازما لها، وأمثال ذلك كثيرة جدا في الحيوان والنبات، وتسمى أعضاء أثرية؛ أي ضامرة أو ناقصة النمو، ولم يكن يعني بها سابقا إلا للترتيب، وأما غايتها فلم تكن معروفة. ومن هذه الأعضاء العيون الأثرية لحيوانات الكهوف، وأجنحة الطيور وأنواع الذباب التي لا تطير، والأثداء في ذكور ذوات الثدي،
18
والحوض والطرفان السفليان في الحيات والأسنان التي توجد في أجنة الحوتة، ولا يبقى إلا أثرها في كبارها، والأسنان القواطع الأثرية في الفك العلوي للعجول، والأسنان الأثرية في الطيور، وهذا الأخير من أعظم أمثلة الوراثة وقرابة الأنواع. والإنسان فيه أيضا بقايا كثيرة من طائفة ذوات الثدي الذي هو منها ولا فائدة لها، كعظم العصعص، وعظم ما بين الفكين الذي اكتشفه غاتي، والزوائد الدودية في القناة الهضمية.
19
صفحة غير معروفة