وإذا تأملت في استدلال الشافعي تجد أنه متين لأن الإنسان في الصلاة وهي الصلاة أعظم من الطهارة بكثير وعمود الدين يجوز للإنسان أن يتحرى فيها فمن باب أولى أن يتحرى في المياه المشتبهه.
وهذا القول هو الصواب لما علمتم من قوة استدلال الشافعي.
لكن إذا تحرى الإنسان ولم يتبين له شيء فماذا يصنع؟
الشيخ الفقيه المرداوي في الإنصاف يقول: على القول بالتحري إذا تحرا ولم يتبين له شيء فإنه يتيمم.
وشيخنا ﵀ يقول بل يعمل بما استقر عليه واطمأن قلبه وإن لم توجد قرينة ويتوضأ من أحد فإن هذا خير من التيمم.
سؤال مهم جدًا: كيف يشتبه الطهور بالنجس؟ ونحن نقول أن النجس هو الماء الذي يتغير - فإذا كان يتغير فكيف يشتبه؟ هل يتصور؟
يتصور مثلًا أن يعلم الإنسان أن هذا الإناء وقع فيه بول ليس له لون ولا رائحة ولا طعم وهذا يوجد ويتصور جدًا عند الحنابلة الذين ينجسون بمجرد الملاقاة بالنسبة للماء القليل. المهم أنه يتصور وإن كان تصوره قليل ونادر.
• قال ﵀:
ولا يشترط للتيمم: إراقتهما ولا خلطهما.
هذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة وممن نصر هذا القول ابن قدامة - نحن الآن نتكلم في تفصيل داخل مذهب الحنابلة - أنه لا يشترط للتيمم الإراقة لماذا؟
لأن هذا الشخص الذي اشتبهت عليه المياه فهو غير واجد للماء شرعًا فيصدق عليه قوله تعالى «فلم تجدوا ماء» لأنه الآن لم يجد ماء حسًا أو شرعًا؟
شرعًا: لأنه لا يستطيع شرعًا أن يتطهر بأحد المائين للاشتباه.
فإذًا لو قلنا أن الإنسان يتيمم ولا يتحرا فلا يشترط لا الإراقة ولا الخلط.
• ثم قال ﵀:
وإن اشتبه بطاهر: توضأ منهما وضوءًا واحدًا - من هذا غرفة ومن هذا غرفة - وصلى صلاة واحدة.
هذا المسألة مفروضة على القول بتقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام أما على القول الثاني وهو أن المياه إما طهور أو نجس ولا يوجد في الشرع قسم ثالث يسمى طاهر فلا تتصور أصلًا هذه المسألة.
إذا اشتبه ماء طاهر بطهور فإن الحنابلة يقولون: يتوضأ من المائين من هذا غرفة ومن هذا غرفة ثم يصلي صلاة واحدة.
معنى هذا أنه لا يجوز له أن يتوضأ وضواءً كاملًا من هذا الماء ووضوءًا كاملًا من الماء الآخر.
1 / 32