والأصل في ذلك قوله تعالى في قوم نوح عليه السلام: ?أغرقوا فأدخلوا نارا? [نوح: 25]، والفاء للتعقيب بلا تراخ، ولن يكون ذلك إلا في الدنيا، لأن إغراقهم كان فيها، فكذلك إدخال النار، وقال تعالى في حق آل فرعون: ?النار يعرضون عليها غدوا وعشيا? أي: في الدنيا ?ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب? [غافر: 46]، وقال تعالى حكاية عن الكفار: ?ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين? [غافر: 11]، وذلك دليل على أن في القبر حياة وموتا آخر، وقوله صلى الله عليه وسلم: «استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه» (1)، وما روي أنه قال في سعد بن معاذ: «لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلف لها ضلوعه» (2) ، وما روي أنه عليه السلام خرج بعدما غربت الشمس، فسمع صوتا فقال: «إن اليهود تعذب في قبورها» (1)، والروايات المأثورة فيه أكثر من أن تحصى.
واحتج المخالف أي: المنكر لعذاب القبر بقوله تعالى في صفة أهل الجنة: ?لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى? [الدخان: 56]، فإنه يدل على أن أهل الجنة لا يذوقون إلا الموتة الأولى (2)، فلو كان في القبر حياة أخرى وموت آخر لذاقوا مرتين، فيكون منافيا لما دلت عليه الآية بصريحها، وقوله: ?وما أنت بمسمع من في القبور? [فاطر: 22] يدل على أنه لا يمكن إسماع من في القبور، فلو كان المدفون في القبر حيا لأمكن إسماعه، فيكون منافيا للآية .
وأجيب عن الأولى بأن معناه أن نعيم الجنة لا ينقطع بالموت كما انقطع نعيم الدنيا. وعن الثانية أن عدم إسماع من في القبور لا يستلزم عدم إدراك المدفون.
صفحة ١١١