148

ونظرت نظر شزر وعلى هذا قال الشاعر :

نظروا إليك بأعين مزورة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

وقال آخر :

تخبرني العينان ما الصدر كاتم

وما جن بالبغضاء والنظر الشزر

وأيضا فإنهم يقولون في تفسير الأقبل ، وهو الأحول ، وهو الذي إذا نظر إليك كأنه ينظر إلى غيرك ، فلو كان النظر هو الرؤية ، لكان تقديره : هو الذي إذا رآك كأنه يرى غيرك ، وهذا لا يستقيم.

وبعد : فإنا نعلم ضرورة كون الجماعة ناظرين إلى الهلال ، ولا نعلم كونهم رائين له ضرورة ، ولهذا يصح أن نسأل عن ذلك ، فلو كان أحدهما بمعنى الآخر لم يجز ذلك.

ويدل على ذلك أيضا ، قوله تعالى : ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) [الأعراف : 198] أثبت النظر ونفى الرؤية ، فلو كان أحدهما بمعنى الآخر لتناقض الكلام ، وينزل منزله قول القائل يرونك ، وهذا خلف من الكلام.

فإن قيل : إن ذلك مجاز لأنه ورد في شأن الأصنام ، قلنا : إنه وإن كان كذلك ، إلا أن المجاز كالحقيقة في أنه لا يصح التناقض فيه.

وحاصل هذه الجملة ، أن النظر من الرؤية بمنزلة الإصغاء من السماع ، والذوق من إدراك الطعم ، والشم من إدراك الرائحة .

فإن قيل : النظر إذا أطلق يحتمل معاني كثيرة على ما ذكرتموه ، فأما إذا علق بالوجه فلا يحتمل إلا الرؤية ، كما أنه إذا علق بالقلب لا يحتمل إلا الفكر. وربما يقولون : إن النظر إذا علق بالوجه وعدي بإلى لم يحتمل إلا الرؤية.

قلنا : ما ذكرتموه أولا مما لا نسلمه ، فما دليلكم عليه؟

فإن قالوا : الدليل عليه ، هو أن الآلة التي يرى بها الشيء في الوجه ، فيجب في النظر إذا علق به أن لا يحتمل إلا الرؤية ، لأنه لو لم يكن كذلك لا يثبت لتعليقه به فائدة ، قلنا : لو وجب صحة ما ذكرتموه من حيث أن الآلة التي يرى بها الشيء في الوجه ، لوجب صحة أن يقول القائل ذقت بوجهي ويريد به أدركت الطعم ، لأن آلة الذوق في الوجه ، وهكذا في قوله شممت بوجهي ، وقد عرف خلافه.

صفحة ١٦٣