شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - مقدمة المؤلف - فضائل الصحابة - حكم من طعن فيهم
سنة الله في الخلق أنهم يتفاوتون، فلا يستوي هذا وذاك، فلكل فضله ومنزلته عند ربه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد حظيت هذه الأمة بنبي هو أفضل الأنبياء، واختار له ربه أفضل الناس في زمانه لصحبته، فكان الصديق أبا بكر ثم الفاروق عمر ثم الحيي عثمان ثم ابن عمه علي، ومن صاحبهم ومن سار على نهجهم، ومن الجرم الشنيع أن يسب هؤلاء أو يطعن في دينهم.
1 / 1
فضائل الصحابة
إن الحمد لله، نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فهذا كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهو أثري محض، يتكلم عن آثار بالأسانيد الصحيحة عن اعتقاد أفضل الأمة على الإطلاق وهم الصحابة رضوان الله عليهم، واعتقاد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، وقبل أن نبدأ بالكتاب لا بد أن نُعرِّف بالصحابة وعقيدتنا في الصحابة، وما يهمنا من ناحية الصحابة، وهل من يسب الصحابة يكفر أم لا يكفر.
1 / 2
أفضل الأمة بعد نبيها الصحابة
الصحابة الكرام هم أفضل الأمة على الإطلاق، بل هم خير البشرية بعد النبيين والمرسلين على الإطلاق، بنص كلام الله جل وعلا وبنص كلام الرسول ﷺ، فقد أنزل الله عدالتهم في كتابه، وبين النبي ﷺ توثيقهم في نص حديثه، فهم الذين نصروا الله فنصرهم، وأعزوا الدين فأعزهم الله جل وعلا، ورفعوا راية لا إله إلا الله فرفعهم الله على الناس أجمعين، وحسبهم أنهم جابوا الأرض شرقًا وغربًا رفعًا لراية لا إله إلا الله.
وقد بين الله عِظَمَ قدر الصحابة في كتابه بقوله جل وعلا: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح:٢٩].
وقال الله عنهم أيضًا: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:٨ - ٩].
فبين الله جل وعلا أن هؤلاء هم أفضل البشر، وأنهم يستحقون كلمة لا إله إلا الله، وهذا تعديل ليس بعده تعديل، ولذلك قال كل المحدثين على الإطلاق: الصحابة عدول، فأي حديث جاء عن صحابي ولم يرفعه للنبي ﷺ فهو حديث صحيح لأنه مرسل، ومراسيل الصحابة مراسيل صحيحة؛ لأن كل الصحابة عدول بنص كلام الله تعالى حيث قال: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح:٢٦]، أي كلمة لا إله إلا الله، ثم قال: ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح:٢٦]، وقد بين النبي ﷺ أن هؤلاء هم خيرة البشر على الإطلاق، ولذلك كان محتم علينا أن نحترمهم، وأن نعرف قدرهم وأن نجلهم، قال النبي ﷺ: (أصحابي! الله الله في أصحابي! من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغض الله فقد آذى الله، ومن آذى الله أوشك أن يأخذه الله) أي: أن علامة حب المسلم لرسول الله ﷺ حبه لأصحاب رسول الله، وعلامة بغضه لرسول الله ﷺ بغض الصحابة الكرام ولو ادعى وزعم أنه يحب رسول الله، فليسمع من لعنات الله جل وعلا تنزل عليهم تترى، ممن يسب أصحاب رسول الله ﷺ ليل نهار.
جاء في الصحيحين أن مشاجرة حدثت بين خالد بن الوليد وهو متأخر الإسلام وبين عبد الرحمن بن عوف ﵁ وأرضاه وهو من المتقدمين في الإسلام، فسب خالد عبد الرحمن بن عوف، ولأن النبي ﷺ ينزل الناس منازلهم ويعلم أن أصحاب رسول الله ﷺ حتى وهم خيار الأمة إلا أن درجاتهم في الفضل متفاوتة، فقد قال النبي ﷺ زاجرًا لـ خالد بن الوليد: (لا تسبوا أصحابي، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، ومع إن خالدًا صحابي ولكنه لا يستوي في الفضل مع عبد الرحمن بن عوف ﵁ وأرضاه فكان قول النبي صلى الله عليه سلم هذا تعظيمًا لقدر أصحابه.
وقد صح عن النبي ﷺ أيضًا أنه قال: (النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهبت الدنيا وذهبت السماء، وأنا أمنة لأصحابي فإذا قبضت -يعني: ذهب الرسول ﷺ أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا قبض أصحابي أتى الأمة ما توعد).
وهذا مصداق لحديث أنس ﵁ وأرضاه حيث قال: (ما يأتي زمان إلا والذي بعده أشر منه)، وما زلنا نتنزل في الشر، فكان كل زمان يذهب ببعض الخير ويبقى الشر، إلا أن النبي ﷺ ساق بشرى لطائفة من متأخري هذه الأمة فقال: (أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أولها أم في آخرها)، ومما سبق تبين أن أفضل الأمة بعد النبي ﷺ هم الصحابة الكرام.
1 / 3
أفضل الصحابة أبو بكر
ليعلم أن أفضل الصحابة على الإطلاق بل أفضل البشر على الإطلاق من غير النبيين والمرسلين هو أبو بكر الصديق، فقد نزلت عدالته من فوق سبع سماوات، وبين النبي ﷺ أن خير الأمة على الإطلاق هو أبو بكر.
أما في الكتاب فقد مدح أبو بكر الصديق بأعظم ما يكون من مدحه مدح به شخص، فقد نزلت فيه آية عظيمة جليلة تبين قدر أبي بكر عند الله، قال تعالى: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ﴾ [النور:٢٢] فعظم الله وهو العظيم أبا بكر فنعته بأنه صاحب فضل، فهنيئًا لـ أبي بكر على هذه الدرجة التي نالها عند ربه جل وعلا.
وقد أجمع المفسرون على أن المقصود بالآية هو أبو بكر، فقد نزلت بعد أن أقسم أبو بكر أن لا ينفق على مسطح فقال الله: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ [النور:٢٢].
وقال الله تعالى أيضًا في حق أبي بكر: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل:١٧ - ٢١] فنص في الكتاب على أنه أخلص الأمة بعد النبي ﷺ، مع أن الإخلاص خفي لا يعلمه أحد قط لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، ومع ذلك أفصح الله جل وعلا في القرآن الكريم على أن أخلص الأمة بعد نبيها هو أبو بكر حيث نعته بالأتقى.
1 / 4
السنة تثني على أبي بكر
جاءت الأحاديث الصحيحة تبين شمائله الكريمة ففي الصحيحين أن أبا بكر ﵁ وأرضاه غضب يومًا فاشتد على عمر ﵁ وأرضاه، ثم استسمحه فلم يسمح له عمر فقال: والله لأشكونك إلى رسول الله ﷺ، فذهب إلى رسول الله ﷺ فلما قص القصة على الرسول قال: والله لقد استسمحته، فلم يسمح لي، فقال له النبي ﷺ وهو أفضل من عمر وأفضل الأمة على الإطلاق: (يغفر الله لك يا أبا بكر، يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر) فكرر ذلك تأكيدًا، فلما بلغ ذلك عمر ندم على ما فعل وذهب إلى بيت أبي بكر فقال: أثمَّ أبو بكر فقالوا: لا.
فذهب إلى النبي ﷺ، فلما نظر النبي ﷺ إلى عمر احمر وجهه، وتمعر واشتد غضبه ﷺ، فعلم أبو بكر أنه حبيب النبي ﷺ؛ لأن النبي ﷺ قال: (لو كنت متخذًا من البشر خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا)، وهو يعلم ما بداخل النبي ﷺ، فلما نظر ذلك علم أن النبي ﷺ سيشتد على عمر فقال: يا رسول الله! إني كنت والله أظلم، وجثا على ركبتيه، ولكن النبي ﷺ لم يسمع له، فلما دخل عمر اشتد النبي ﷺ غضبًا عليه وقال: (هلا تركتم لي صاحبي، قد جئتكم فقلتم: كذبت، وقال لي: صدقت، وواساني بماله وأهله) فلم يؤذ أبو بكر ﵁ وأرضاه بعدها.
ومما يبين قدر أبي بكر ما روي أنه ﵁ تخاصم مع رجل آخر من الصحابة واشتد عليه، ثم قال له: اقتص مني، قال: لا والله لا أقتص منك، أنت صاحب رسول الله ﷺ، قال: اقتص مني وإلا استعديت عليك رسول الله! فاستغرب الصحابة من صنيعه، إذ كيف يخطئ على رجل ويقول: أستعدي عليك رسول الله، فقالوا: والله لنذهبن معك إلى رسول الله، ونشهد عنده أنه المخطئ في حقك، فقال الرجل: اسكتوا حتى لا يسمع أبو بكر ما تقولون فيغضب، ثم يغضب رسول الله لغضب صاحبه، ثم يغضب الله لغضب نبيه، فيهلك صاحبكم، فكان الصحابة على معرفة بقدر أبي بكر ﵁ وأرضاه؛ ولذلك كان النبي ﷺ يقول: (سدوا كل خوخه إلا خوخة أبي بكر) ﵁ وأرضاه.
1 / 5
ثبوت الإمامة لأبي بكر بالنص والإشارة والإجماع
لقد كان أبو بكر ذلك الرجل البديع الكريم حبيبًا لرسول الله ﷺ، ولذا لابد أن يعلم أن من طعن في دينه فهو كافر خارج من الملة قد ارتكب ما يجعله خالدًا في نار جهنم، ومن أنكر إمامته أوشك على الكفر؛ إذ إن إمامته ثابتة بالنص والإشارة.
أما إمامته بالنص فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ﵂ وأرضاها أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: (ادع لي أبا بكر لأكتب له كتابًا حتى لا يطمع في هذا الأمر طامع -يعني: في هذه الإمامة والخلافة- فلم يأت أبو بكر، فقال النبي ﷺ: يأبى الله ويأبى المؤمنون -يعني: في هذا الأمر- إلا أبا بكر).
فكان ذلك نصًا على أبي بكر، كما أن النبي ﷺ قد استخلف أبا بكر على الصلاة، فقاس الناس قياس أولى ويسميه الأصوليون القياس الجلي، فقالوا: إذا كان النبي ﷺ قد جعل أبا بكر يحافظ على الدين، وأمنه على ديننا، فمن باب أولى أن يلي أمور الدنيا التي هي دنيئة تنتهي.
وقد أجمع الصحابة على خلافة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، إذ قام عمر خطيبًا في الناس وقال: يـ أبا بكر أنت أفضلنا، وأقربنا، وأحبنا لرسول الله فابسط يدك لنبايعك، فبسط يده وبايعه جل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
1 / 6
أبو بكر أحب الناس لرسول الله ﷺ
من المآثر التي تفيد علو مكانة أبي بكر ما حدث في غزوة السلاسل، كما في الصحيحين أن النبي ﷺ بعث عمرو بن العاص أميرًا على سرية غزوة السلاسل، وكان عمرو بن العاص رجلًا داهية لا يحب أن يدخل في حرب إلا وقد احتاط بما يمكنه من الانتصار فيها، فبعث للنبي ﷺ يطلب المدد، فبعث له النبي ﷺ مددًا، وفيهم ثلاثة هم خيار الأمة: أبو عبيدة بن الجراح وهو أميرهم، وفي القوم أبو بكر وعمر، ومنه استنبط العلماء أنه يجوز للمفضول أن يترأس على الفاضل، ثم دخلوا على عمرو بن العاص، وكان النبي ﷺ قد نصح أبا عبيدة فقال له: (لا تنازعوا) أي: إياك والنزاع حتى لو قال لك عمرو: الإمارة لي فدعها له، وكان ما أشار إليه النبي ﷺ إذ تشبث عمرو بن العاص بالإمارة، فقال له أبو عبيدة: هي لك، وفي الغزوة صلى عمرو بالناس جنبًا، والحديث محفوظ، والشاهد في الحديث أن عمرو بن العاص قال في نفسه: ما دام أن النبي ﷺ قد أتاني بـ أبي عبيدة وعمر وأبي بكر وأنا متأخر الإسلام، فأنا أحب إلى رسول الله من هؤلاء، مع أنهم سبقوني في الإسلام، فذهب وهو يشتم رائحة القرب من رسول الله ﷺ فقال: (يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة -وهو لا يريد هذه- فقال: ليس عن هذا أسأل، فقال رسول الله ﷺ: أبوها، قال: ثم من؟ قال: عمر، قال: ثم من؟ قال عثمان) فقال في نفسه لو عددت لعد رجالًا وكنت أنا في المتأخرين فسكت على ذلك، وفي هذا دليل على أن أبا بكر كان أحب الناس إلى رسول الله ﷺ.
فمن طعن في إمامة أبي بكر ﵁ وأرضاه، فإنه على وشك الفسق، ومن طعن في دينه فهو كافر خارج من الملة.
1 / 7
عمر الفاروق أفضل الأمة بعد نبيها وأبي بكر
يلي أبا بكر في الفضل عمر بن الخطاب فقد ثبت أن النبي ﷺ أخبر أنه ما غربت الشمس ولا طلعت من بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر، وقد رآه هو وعمر فقال لـ علي: (هذان سيدا كهول أهل الجنة).
إن لـ عمر فضائل كثيرة يصعب جدًا على الباحث أن يحصيها، ويكفيه أن النبي ﷺ قال: (إيه يا عمر! لو سلكت فجًا لسلك الشيطان فجًا غير الفج الذي سلكت)، وكان رجلًا شديدًا في نصرة الإسلام، قال عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه وهو يتحدث عن أمير المؤمنين عمر: كنا أذلة حتى أسلم عمر فأعزنا الله بـ عمر.
ومما ورد في فضل عمر ﵁ أيضًا أن النبي ﷺ قال: (إن عمر ﵁ وأرضاه يتمثل الإسلام يوم القيامة فيأخذ بيده ويذهب إلى الله فيحتج فيقول: أعززتني بهذا الرجل فيدخل الجنة بدون حساب)، ومع ذلك يقول عمر ﵁: يا ليتني شعرة في صدر أبي بكر.
1 / 8
النص على خلافة عمر
وكما نص على خلافة أبي بكر فقد نص أيضًا على خلافة عمر ولا يطعن فيها إلا فاسق فاجر، فإن أبا بكر ﵁ وأرضاه في مرض موته جاءه عثمان فقال له: أرأيت من تستخلف؟ فتنفس الصعداء وكاد يتكلم فأغمي عليه فخشي عثمان موت أبي بكر ﵁ وأرضاه فكتب الخلافة للناس فأفاق أبو بكر فقال له عثمان: ما تملي علي؟ قال أبو بكر: من كتبت؟ قال عثمان: كتبت عمر، قال: والله لو كتبت نفسك لكنت أهلًا لها، اكتب عمر فأقر كتابته، وقوله ذاك ليس تفضيلًا من أبي بكر لـ عثمان على عمر بل غاية ما يفهم منه أن عثمان أهل لها، ثم جاء الناس إلى أبي بكر فقالوا: كيف تولي علينا هذا الشديد الغليظ؟ كيف تجيب ربك وأنت تعلم شدة عمر؟ فقال: والله لو سألني ربي: لم وليت هذا عليهم؟ لقلت وليت عليهم أفضلهم وخيارهم.
ومن شدة عمر أنه كان إذا أراد أن يقرر البشر على حكم نزل عليه، واجتمع عليه الصحابة كان أول شيء يفعله: أن يقفل الباب على أهله، وهم في الدار جميعهم الصغير والكبير، ثم يقول: إني آمر الناس غدًا بشيء والله لو وجدت منكم أحدًا تجرأ علي لجلدته أمام الناس أجمعين، فكان عمر أشد الناس على أهله أولًا ثم على البشر، وهذا الذي جعل عائشة ﵂ وأرضاها ترفض سيدنا عمر ﵁ وأرضاه زوجًا لأختها بعد أن تقدم يريد الزواج من أختها، ولما سُئلت عائشة: لماذا رفضته؟ بينت العلة وقالت: عمر شديد، والبنت صغيرة.
وممن أقر أبا بكر على اختياره لـ عمر خليفة بعده ابن مسعود ﵁ فقد أُثر عنه أنه قال: أشد الناس فراسة ثلاثة: بنت الرجل الصالح شعيب لما قالت: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص:٢٦] فألمحت أنها تريده، وقالت: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص:٢٦] فتزوجت نبي الله موسى وهو أفضل البشر على الإطلاق في وقته.
وعزيز مصر لما قال: ﴿عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [يوسف:٢١] يوصي امرأته أن تكرم يوسف ﵇.
وأبو بكر ﵁ وأرضاه لما تصرف في خلافة عمر.
1 / 9
من فضائل عمر
مما ورد في فضل عمر ﵁ أن النبي ﷺ قال عنه في الرؤيا التي رآها: (وينزع نزعًا ما رأيت عبقريًا مثل عمر يفري فريًا) على أن عمر هو من خطط تخطيطًا دقيقًا لحركة الفتوحات والغزوات التي أسهمت في نشر الدين، وكانت سببًا في جمع الأموال الطائلة التي جاءت للمسلمين عن طريق خلافته ﵁ وأرضاه.
وأختم الكلام على عمر بما قاله علي لما دخل عليه وهو في النزع الأخير حيث قال: أرجو الله أن يحشرك مع صاحبيك، فإني قد سمعت كثيرًا رسول الله ﷺ يقول: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وجئت أنا وأبو بكر وعمر، وكنت أنا وأبو بكر وعمر حشرك الله مع صاحبيك)، وكانت هذه فراسة من علي صدقتها عائشة ﵂ وأرضاها وتركت المكان لـ عمر، ودفن عمر بجوار صاحبيه، وما زلنا حتى الآن نسلم على النبي ﷺ في المسجد النبوي ثم على أبي بكر وعمر رضي الله عن الشيخين، ولعن الله من يسبهما، وطرد الله من يسبهما من رحمته، وأنزل عليهم العذاب الأليم الشديد، الذين يقولون: العنوا صنمي قريش، فنسأل الله أن يجازيهم بما يستحقون، فهم الذين حرفوا في دين الله جل وعلا، وهم أضر علينا من اليهود والنصارى، لما يحملونه من خبث دفين إذ لو قيل ليهود: من أفضل الناس فيكم؟ لقالوا: أفضل الناس فينا هم صحابة موسى ﵇، ولو قيل للنصارى: من أفضل الناس فيكم؟ لقالوا: أفضل الناس فينا هم حواريو عيسى ﵇، ثم قيل للشيعة: من أشر الناس عندكم؟ قالوا: صحابة رسول الله والعياذ بالله، ومن منكرات أعمالهم ما يصنعون في الأعياد حيث يجعلون صنمًا كبيرًا من الحلوى، ويشربونه العسل، ثم يقولون: هذا صنم أبي بكر وهذا لـ عمر، ويزعمون أنهم يشربون من دم أبي بكر ودم عمر أسقاهم الله من الصديد في نار جهنم.
1 / 10
من مناقب ذي النورين عثمان بن عفان ﵁
ويلي الشيخين في الفضل عثمان ﵁ وأرضاه وإن كان فيه خلاف إلا أن الأمة أجمعت عليه بعد ذلك الخلاف، فقد كان رأي أبي حنيفة والثوري ومن المتأخرين الشوكاني تقديم علي على عثمان ﵁ وأرضاه، والخلاف هذا معتبر، لكن الصحيح الراجح أن عثمان يقدم على علي بالنص أيضًا إذ إن عثمان هو الخليفة الثالث، وخلافته جاءت صحيحة بإجماع المهاجرين والأنصار، لأن عمر ﵁ وأرضاه قال: إن كنت سأستخلف، فقد استخلف من هو خير مني -يريد أبا بكر -، وإن كنت لا أستخلف أي: لا أنص كتابة، فما استخلف من هو خير مني يريد أن النبي ﷺ لم يكتب لـ أبي بكر لكنه أشار إليه كما تقدم، ثم قال: هي في هؤلاء الستة الذين مات الرسول ﷺ وهو عنهم راض، وعدهم: عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله ﵃ أجمعين، قال العلماء: أما عبد الله بن عمر ﵁ وأرضاه وإن كان لا يقل فضلًا عن هؤلاء، إلا أن أعباء الخلافة جعلت عمر ﵁ وأرضاه ينحيه عنها حيث قال: له المشورة وليس له من الأمر شيء.
فترك الزبير صوته لـ علي وترك طلحة صوته لـ عثمان، وتنحى عبد الرحمن بن عوف ﵁ وأرضاه وسعد بن أبي وقاص عن الأمر، فحصر الأمر في علي وعثمان، قال عبد الرحمن بن عوف: والله لقد درت على النساء في خدورهن فما عدلوا بـ عثمان أحدًا، وهذه دلالة على أن المهاجرين والأنصار بالنظر الثاقب قدموا عثمان.
ومما يؤثر عن ابن عمر ﵁ وأرضاه أنه قال: (كنا في عصر رسول الله ﷺ نقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان).
وقد خطب علي ﵁ في الناس وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ومن قدمني على أبي بكر وعمر جلدته ثمانين جلدة حد المفتري، ثم قال: والله أعلم بمن أفضل بعد ذلك، فلم يخير عثمان عليه.
وهنا يجدر بمن يقدم علي على الشيخين إن كان يحب عليًا أن يستمع لكلامه، ورد في الأثر أن محمد بن الحنفية قال لـ علي: من أفضل الأمة بعد النبي؟ قال: أبو بكر، قال: ثم من؟ قال: عمر قال: فاستحييت أن أقول له: ثم من؟ فيقدم عثمان عليه، مع أن في قرارة نفسه أن عثمان أفضل من علي ﵁ وأرضاه.
وبذلك علم فضل عثمان ﵁.
وأشهر فضائل عثمان أنه ختن رسول الله ﷺ على بنتيه، وورد في الآثار أنه قال: (لو كانت الثالثة لأنكحتك إياها).
1 / 11
حياء النبي ﷺ من عثمان
من أعظم الفضائل لـ عثمان أن النبي ﷺ كان يستحيي منه ويقول: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)، وفي الحديث دلالة على أن الفخذ ليس بعورة، والأحوط تغطيته، وإذا رأى أحدكم شخصًا يكشفه فالأولى أن ينكر عليه ويقول له: الفخذ عورة، وإن كان حديث: (الفخذ عورة) حديث ضعيف لكن هذا من باب المروءات، أما الشاهد من الحديث الذي يفيد بأن الفخذ ليس بعورة ما ورد أن النبي ﷺ كان متكئًا وفخذه مكشوف، فدخل أبو بكر فلم يهش ولم يبال، ثم دخل عمر فلم يهش ولم يبال، فلما استأذن عثمان قام واستوى وغطى فخذه، فقالت عائشة منكرة: (يا رسول دخل عليك أبو بكر فلم تهش ولم تبال، ودخل عليك عمر فلم تهش ولم تبال، ولما دخل عليك عثمان ﵁ وأرضاه- استويت قال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة).
وورد في استحياء عثمان ﵁ وأرضاه -وأيضًا عمر - أنه ما كان يغتسل عاريًا قط، بل كان إذا دخل الخلاء يستأذن الملك، وكان يدخل فيظلم كل المكان حتى لا يرى عورته، وهذا من حياء عثمان ﵁ وأرضاه، ربنا يرزقنا الحياء، والحياء رفعة وإيمان.
1 / 12
الخليفة الشهيد علي بن أبي طالب
يلي عثمان ﵁ في الفضل والمكانة علي بن أبي طالب، وفضائله غير خفية على من له أدنى اطلاع، وقد نوزع علي في الخلافة مما يجعل البعض يسأل عن خلافته هل كانت صحيحة؟ وهل خلافته ملك عضوض أم خلافة على منهاج النبوة؟ فالصحيح أنها خلافة صحيحة لحديث: (الخلافة بعدي ثلاثون عامًا)، ومعلوم أن خلافة علي كانت في الثلاثين التي أخبر عنها النبي ﷺ، ثم بعد ذلك كانت خلافة معاوية التي قال النبي ﷺ عنها: (ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، فخرجت من الخلافة وأصبحت ملكًا وتحقق كلام النبي ﷺ فقد أصبحت تتوارث.
وقد كان الحق مع علي في الخلاف الذي دار بينه وبين معاوية وكان علي هو أفضل على الإطلاق، وكان هو المستحق للخلافة، ولذلك لما حدثت المشاحنة بين الزبير وطلحة وبين علي وبين عائشة ﵃ أجمعين، ولم يكن سببها الخلاف بينهم كما يصور البعض، وإنما كان الموتورون داخل الصف هم الذين يحرشون بينهم ويشحنون القلوب بدعوى أنه كان لا بد قبل أن يبايع علي أن يقتص لهذا المظلوم المقتول عثمان، وهذا الكلام غير صحيح، والمهم أن نعلم أن عائشة ﵂ وأرضاها خرجت وخرج الزبير وخرج طلحة لقتال علي، والله جل وعلا يظهر الحق حتى لو خفي على كل البشر، فـ ابن عمر أفضل الصحابة وأتقنهم علمًا خفي عليه أن الحق مع علي؛ ولذلك بكى بكاءً شديدًا عند موته وقال: يا ليتني قاتلت مع علي والله إن الحق مع علي، ومما دار بينهم أن عليًا جاء إلى الزبير وقال له: أما تذكر أن رسول الله ﷺ مر بي وبك فقال: (تحبه؟ قال: ومالي لا أحبه؟! فقال له: تقاتله وأنت ظالم له)، وقد تحقق هذا، وفيه علامة من علامات نبوة النبي ﷺ، فانتبه الزبير قال: والله كأني لم أسمع الحديث إلا اليوم، فاستدار بفرسه فنزل فقتلوه، وطلحة بن عبيد الله ﵁ وأرضاه لما علم ذلك أيضًا قتل، ثم تلت ذلك المعركة الشديدة التي كان فيها الدماء بسبب عائشة ﵂ وأرضاها، فقد كان من حولها يحرسون الجمل ولذلك سميت معركة الجمل، وقد قتل خلق كثير حول الجمل إلى أن أمر علي بضرب ساقي الجمل فانتهت المعركة، وبعد ما انتهى القتال ذهب علي فقال: يا أمه -وهذا من فقهه فهي أم المؤمنين- تريدين شيئًا؟ قالت: لا، فقال للجيش: صفوا لأمكم ثم ارجعوا بها إلى المدينة، فرجعوا بها إلى المدينة معززة مكرمة.
وبعد ذلك حدث نزاع في صفوف علي حتى قال قائلهم: كيف تقول: إننا نقاتلهم ولا نسبي نساءهم؟ فأجابهم: من أراد أن يضرب بسهم لنفسه فليأخذ أم المؤمنين غنيمة عنده! فسكت القوم، وعلموا أن القتال قتال بغي وليس قتال كفر، ولا يصح السبي ولا الغنائم.
وبعد أن رجعت عائشة إلى المدينة سمعت بقتال الخوارج وأن عليًا قتل ذا الثدية فقالت: والله إن الحق مع علي، وما كان بيني وبينه إلا ما بين الأحناء بعضهم لبعض، وكان في صدرها شيء من علي، وهو أنه لما استشاره النبي ﷺ في حادثة الإفك قال علي: النساء غيرها كثير، وكان علي محق ولم يقصد الطعن في عائشة ﵂ وأرضاها، وإنما أراد أن أعباء النبوة أقوى من أن تفكر في هذا الأمر؛ لأن الأمة بل الدنيا بأسرها تنتظر شمس النبوة، فكان محقًا فيما نظر فيه اجتهادًا، ولا يمكن أن يتصور في علي أن يطعن في الصديقة بنت الصديق ﵂ وأرضاها.
وأما بالنسبة لـ معاوية فالحق كل الحق مع علي بنص كلام النبي ﷺ حيث قال: (عمار تقتله الفئة الباغية)، وقتلته فئة معاوية وقال: (عمار أينما كان فالحق معه)، لكن معاوية رد على هذا وقال: إن قلتم: الفئة الباغية التي تقتل عمار فقد قتله من خرج به، وذلك أنه دخل وعند معاوية عمرو بن العاص فقال الرجل: أبشر يا أمير المؤمنين! يريد معاوية فقال: مه؟ قال: أبشر فقد قتلت عمارًا، فقام عبد الله بن عمرو بن العاص متهللًا: وقال: أبشر بنار جهنم، فإن النبي ﷺ قال: (بشر قاتل عمار بالنار)، فلما سمع الناس ذلك انسل الجيش من معاوية وذهب إلى علي فقال معاوية لـ عمرو بن العاص: نح عنا مجنونك هذا، وذلك لكي لا يدب الأمر في الجيش، فقال معاوية ﵁ وأرضاه حينها: إذًا قتله من خرج به! والرد على هذا أنه إذا كان كذلك فمعناه أن النبي ﷺ هو الذي قتل حمزة؛ لأنه هو الذي أخرجه للقتال! وليس كذلك، فالنبي ﷺ بكى عليه وقال: (هو أسد الله).
ولما قتل علي الخوارج علم الناس أن الحق معه.
1 / 13
خلاف علي ومعاوية خلاف بين طائفتين من المسلمين
ينبغي أن ندرك أن خلاف علي ومعاوية لا يبنى عليه كفر وإسلام فقد قال النبي ﷺ وهو يشير إلى الحسن: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، فسماهم مسلمين، ونسمع أن بعض الناس مع أن الله حباه ببعض علم الحديث يسب معاوية، بل قد وصل به الحد أن يسب عائشة، لكن ليعلم هو ومن على شاكلته أنه لن يسلم من يطعن في الصحابة، ولذلك قال ابن كثير في البداية والنهاية: دماء عصم الله أيدينا منهم، فنسأل الله أن يعصم ألسنتنا منهم، فنحن نكف عن هذا، ونترضى عليهم ونقول: ليسوا بمعصومين وإن أخطئوا فالله يغفر لهم، كفى حاطب بن أبي بلتعه قول النبي فيه: (دعه فلعل الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
1 / 14
العشرة المبشرون بالجنة
العشرة الذين بشرهم النبي ﷺ بالجنة هم الخلفاء الأربعة ثم طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح ﵁ وأرضاه، وهؤلاء هم أفضل الصحابة، وهم مع ذلك يتفاوتون فيما بينهم الأعلم فالأعلم، نسأل الله جل وعلا أن نحفظ حقهم ونحفظ قدرهم.
1 / 15
هل يكفر من طعن في الصحابة أم لا؟
لا شك أن من طعن في دين الصحابة فقد كفر، فمن طعن في دين أبي بكر فقد كفر، ومن طعن في دين علي أو عثمان أو عمر فقد كفر؛ لأنه كذب القرآن، وقد أنزل الله عدالتهم وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها، ومن سبهم أجمعين على أنهم قد كفروا وخرجوا من الملة فهذا يكفر أيضًا، أما ما عداه فهو فسق وفجور.
ومن قال عن عائشة: إنها لم تبرأ وفعلت الفاحشة فقد كفر؛ لأنه كذب الله الذي برأها من فوق سبع سماوات.
والسب سبان: سب بكلام قبيح، وطعن في الدين، فالسب في عائشة ﵂ وأرضاها إذا كان قدحًا في دينها أو طعنًا في شرفها وعفتها فهو كفر، ويقتل من قال به ردة؛ لأنه كذب القرآن وكذب الله الذي برأها من فوق سبع سماوات، ومعلوم أن من كذب الله فقد كفر ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء:١٢٢] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء:٨٧].
ومن أكثر من يقع في الصحابة الشيعة وهم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي دخل ليدمر الدين، كما دخل بولس ودمر الإنجيل؛ فقد كان يهوديًا ثم دخل النصرانية على أنه قبطي ودمر الإنجيل وحرفه على الناس، وعبد الله بن سبأ ادعى الإسلام وانتهى في النهاية إلى أن عليًا هو الإله، ولما حرق من قالوا بذلك افترى عليهم وقال: لا يحرق بالنار إلا خالقها، لحديث ابن عباس، إذًا فهو خالقها.
وقد كان عبد الله بن سبأ هو رأس الشيعة، ثم تشعبوا بعد ذلك فمنهم من هم أقرب إلى أهل السنة والجماعة مثل: محمد الباقر وجعفر الصادق ﵃ وأرضاهم، وإن كانوا يفضلون عليًا على أبي بكر وعمر فهم يقولون: خلافة أبي بكر صحيحة، وخلافة عمر صحيحة بإجماع المسلمين، لكن علي أفضل منهم، وغلاة الشيعة كفار أما العوام الذين لا يعرفون شيئًا فليسوا كفارًا، أما الذين يسبون علنًا ويطعنون في دين أبي بكر ويطعنون في دين عمر، ويطعنون في دين عائشة ويئولون القرآن: فقوله تعالى: (اذبحوا بقرة) قالوا: هي عائشة ﵂ وأرضاها؛ فهؤلاء وأشباههم على الكفر لأنهم كذبوا القرآن.
1 / 16
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - شرح البسملة
درج المؤلفون على افتتاح مصنفاتهم بالبسملة، ودرج الشراح على شرحها وإعرابها، وفيها ثلاثة أسماء حسنى لله تعالى (الله، والرحمن، والرحيم)، وفيها استعانة بالله.
2 / 1
تعديل الله ورسوله للصحابة رضوان الله عليهم
يبحث هذا الكتاب في اعتقاد السلف الصالح، وأصل السلف هم صحابة رسول الله ﷺ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والذين عدلهم الله جل وعلا في الكتاب، وعدلهم النبي ﷺ في السنة، كما قال: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) [النساء:١١٥] فمن تنكب هذا الصراط بعد عن الحق، ومن سار على نهجهم وآمن بمثل ما آمنوا به فقد اهتدى؛ فإن الله قد ربط الهداية بذلك، قال تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح:٢٦]، وكلمة التقوى هي كلمة لا إله إلا الله، وعدلهم النبي ﷺ في السنة فقال: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه).
قوله: (شرح).
الشرح معناه: تبيين المجمل وتفسيره، ورفع الإشكال، وإظهار الغموض، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، أو إطلاق المقيد في الظاهر، وغير ذلك.
وقوله: (أصول).
الأصل: ما يبنى عليه غيره، والأصل غير الفرع كالركن والشرط.
قوله: (اعتقاد) هو ما اعتقده المرء وربط قلبه عليه، واعتقده اعتقادًا جازمًا.
قوله: (أهل السنة والجماعة) هم سلف هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله ﷺ والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين وصفهم النبي ﷺ بأنهم الفرقة الناجية في الحديث الذي رواه أصحاب السنن، قال الرسول ﷺ: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: يا رسول الله! من هي؟! فقال: الذين كانوا على ما أنا عليه وأصحابي).
2 / 2
نبذة مختصرة عن حياة المؤلف
هذا الكتاب صاحبه ومؤلفه هو العالم الفذ المحدث الفقيه: هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري اللالكائي، ينسب إلى ثلاث مدن، طبرستان، وهي أصل مولده، ثم انتقل إلى الري، ثم بعد ذلك انتقل إلى بغداد، وقيل: الألكائي، وقيل: اللكائي، وكنيته أبو القاسم، واللكائي نسبة لبيع اللوالك، وهي أشبه ما تكون بالخفاف، وكان يلبس في القدم، وهذه النسبة ليست عيبًا؛ لأنك قد تنسب لصنعة أو لحرفة أو لبيع أغراض، ومثل هذا: الراوي الثقة الثبت الذي هو من رجال الصحيح خالد الحذاء، وقد سموه خالد الحذاء نسبة للأحذية، وما كان يبيع الأحذية، لكن كان يجلس مع من يصلح الأحذية فنسبوه إلى هذه النسبة، ومثله: الزيات؛ لأنه كان يبيع الزيت، فهذه النسبة جاءت من حرفة بيع هذه السلعة.
قدم بغداد واستوطنها.
من أبنائه محمد الملقب بـ أبي بكر، سمع الحديث في مدينة الري، ثم قدم إلى بغداد فدرس فيها الفقه وسمع الحديث، وليست له شهرة كبيرة، لكنه كان عالمًا فذًا، سمع الحديث وأتقن حفظه، وتعلم الفقه؛ فرزقه الله الحفظ والفهم.
ومن تلاميذه: أبو بكر الخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد، وهو أشهر تلاميذ هذا العالم الفذ.
ومن مؤلفاته: كرامات أولياء الله، وأسماء رجال الصحيحين، وفوائد اختيارات أبي القاسم، والمجالس، والسنن، وشرح أصول الاعتقاد، وشرح كتاب عمر بن الخطاب.
كان يتمتع رحمه الله تعالى بالحفظ والإتقان والفهم، وعقيدته عقيدة السلف، والكتاب الذي بين أيدينا يبين ذلك.
2 / 3
شرح (بسم الله الرحمن الرحيم)
ابتدأ المؤلف الشرح فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم).
قال العلماء: إن من روائع البيان البداءة ببسم الله اقتداءً بكتاب الله جل وعلا، واقتداءً بسنة النبي ﷺ، فقد ابتدأ الله كتابه ببسم الله الرحمن الرحيم.
2 / 4