322

شرح عمدة الأحكام لابن جبرين

تصانيف

التشهد في الصلاة وأصح رواية فيه
قال المؤلف ﵀: [باب التشهد: وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (علمني رسول الله ﷺ التشهد -كفي بين كفيه- كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)، وفي لفظ: (إذا قعد أحدكم للصلاة فليقل: التحيات لله -وذكره إلى آخره- وفيه: فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض وفيه: فليتخير من المسألة ما شاء) .
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (لقيني كعب من عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي ﷺ خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) .
وعن أبي هريرة ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ يدعو في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)، وفي لفظ لـ مسلم: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم - ثم ذكر نحوه) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي بكر الصديق ﵃: (أنه قال لرسول الله ﷺ: علمني دعاء أدعو به في صلاتي.
قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) .
وعن عائشة ﵂ قالت: (ما صلى رسول الله ﷺ -بعد أن نزلت عليه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر:١]- إلا يقول فيها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) .
وفي لفظ: (كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)] .
في هذين الحديثين ما يقوله في التشهد آخر الصلاة، وسمي تشهدًا؛ لأن فيه ذكر الشهادتين، وهذا التشهد يعتبر ركنًا من أركان الصلاة؛ وذلك للأمر به في هذه الأحاديث: (إذا قعد أحدكم للصلاة فليقل) والأمر لا صارف له عن الوجوب، فلذلك ذهب أكثر العلماء إلى أن التشهد ركن من أركان الصلاة، وأن تركه يبطلها فلا تتم إلا به كسائر أركان الصلاة، ثم هذا التشهد قد رواه عبد الله بن مسعود، ونقله تلامذته مع كثرتهم ولم يختلفوا فيه، بل كلهم نقلوه نقلًا واحدًا دون أن يقع بينهم اختلاف.
وروي التشهد أيضًا عن عمر بن الخطاب، ولكن فيه شيء من الزيادة وشيء من النقص، يعني: فيه زيادة كلمة أو كلمتين أو ما أشبهها.
وروي التشهد عن جابر وفيه شيء من التغيير، ووقع فيه أيضًا شيء من الزيادة والاختلاف بين الرواة.
وقد اختار الإمام أحمد تشهد ابن مسعود حيث لم يقع فيه اختلاف بين تلامذته، إلى أن وصل إلى المؤلفين؛ ولعل ذلك أن ابن مسعود اعتنى به فذكر أنه تلقاه من النبي ﷺ مباشرة دون واسطة، وذكر أن النبي ﷺ اهتم بتعليمه إياه حيث جعل كفه بين كفيه يعني: أن كف ابن مسعود بين كفي النبي ﷺ؛ ليكون ذلك أدعى إلى الاهتمام، وإلى إقباله بقلبه وقالبه، وكذلك علمه هذا التشهد كما يعلمه السورة من القرآن؛ ولأجل ذلك حفظه وأتقنه كما يحفظ السورة، أي: كما يحفظ الفاتحة والمعوذتين وسائر السور، دون أن يزيد فيها أو يضيف إليها أو يخل بشيء منها، فكذلك نقل هذا التشهد دون أن يغير فيه شيئًا.
هذا التشهد مشتملٌ على هذه الجمل، وقد ذكر في بعض الروايات، قال: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فقال النبي ﷺ: لا تقولوا: السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله) إلى آخره.
فعلل أن الله هو السلام، وأنه سبحانه يحيّا ولا يسلم عليه؛ وذلك لأن السلام اسم من أسماء الله، فهو يذكر به، وأيضًا فالسلام دعاء، والله تعالى يدعى ولا يدعى له؛ فلأجل ذلك لم يجز أن نقول: السلام على الله، ولا نقول: عليك السلام، أما التحية فإنها توقير وتعظيم وعبادة، ولأجل ذلك تسمى جميع التعظيمات: عبادة، وتسمى: تحيات.
السلام الذي نحن نتبادله يسمى تحية؛ لأنه يحيي به بعضنا بعضًا، قال تعالى: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور:٦١]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء:٨٦] .

19 / 2