قوله: "والنكرة في غير هذه المواضع" أي النفي، والشرط المثبت، والوصف بصفة عامة تخص لأنها موضوعة للفرد فلا تعم إلا بدليل يوجب العموم، ولا يخفى أن النكرة المصدرة بلفظ كل مثل أكرم كل رجل، والنكرة المستغرقة باقتضاء المقام كقوله تعالى: {علمت نفس}، وقولهم تمرة خير من جرادة، واقعة في غير هذه المواضع مع أنها عامة ثم النكرة إذا كانت خاصة فإن، وقعت في الإنشاء فهي مطلقة تدل على نفس الحقيقة من غير تعلق لأمر زائد، وهذا معنى قولهم المطلق هو المتعرض للذات دون الصفات لا بالنفي، ولا بالإثبات كقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة:67] فإنه إنشاء للأمر بمنزلة صيغ العقود مثل بعت، واشتريت، وإن وقعت في الأخبار مثل رأيت رجلا فهي لإثبات واحد مبهم من ذلك الجنس غير معلوم التعين عند السامع، وجعله مقابلا للمطلق باعتبار اشتماله على قيد الوحدة، ولقائل أن يقول لا نسلم عدم ومنها: من وهو يقع خاصا كقوله تعالى: {ومنهم من يستمعون إليك} {ومنهم من ينظر إليك} ويقع عاما في العقلاء إذا كان للشرط نحو: "من دخل دار أبي سفيان
تعرض المطلق بقيد الوحدة للقطع بأن معنى: {أن تذبحوا بقرة} [البقرة:67] ذبح بقرة واحدة، ومعنى: {فتحرير رقبة} [النساء:92] إعتاق رقبة واحدة فكان المراد أن ذلك ليس بلازم بل يجوز أن يراد به نفس الحقيقة أو فرد منها أو ما صدقت هي عليه واحدا كان أو أكثر، ولهذا فسره المحققون بالشائع في جنسه بمعنى أنه لحصة محتملة الحصص كثيرة مما يندرج تحت أمر مشترك من غير تعيين. وأما النزاع في عموم النكرة في الإنشاءات والخبر فالحق أنه لفظي لأن القائلين بالعموم لا يريدون شمول الحكم لكل فرد حتى يجب في مثل أعط الدرهم فقيرا صرفه إلى كل فقير، وفي مثل: {أن تذبحوا بقرة} ذبح كل بقرة وفي مثل: {فتحرير رقبة} تحرير كل رقبة بل المراد الصرف إلى فقير أي فقير كان، وكذا المراد ذبح بقرة أي بقرة كانت، وتحرير رقبة أي رقبة كانت فإن سمي مثل هذا عاما فعام، وإلا فلا على أنهم جعلوا مثل من دخل هذا الحصن أولا فله كذا عاما مع أنه من هذا القبيل فإن جعل مستغرقا فكل نكرة كذلك، وإلا فلا جهة للعموم.
قوله: "فإذا أعيدت نكرة" لما أبحر الكلام إلى ذكر النكرة، وإفادتها العموم، والخصوص أردفه بما اشتهر من أن النكرة إذا أعيدت نكرة فالثاني غير الأول، والمعرفة بالعكس، والكلام فيما إذا أعيد اللفظ الأول مع كيفيته من التنكير، والتعريف أو بدونها، وحينئذ يكون طريق التعريف هو اللام أو الإضافة لتصح إعادة المعرفة نكرة، وبالعكس، وتفصيل ذلك أن المذكور أولا إما أن يكون نكرة أو معرفة، وعلى التقديرين إما أن يعاد نكرة أو معرفة فيصير أربعة أقسام، وحكمها أن ينظر إلى الثاني فإن كان نكرة فهو مغاير للأول، وإلا لكان المناسب هو التعريف بناء على كونه معهودا سابقا في الذكر، وإن كان معرفة فهو الأول حملا له على المعهود الذي هو الأصل في اللام أو بالإضافة، وذكر في الكشف أنه إن أعيدت النكرة نكرة فالثاني مغاير للأول وإلا فعينه لأن المعرفة تستغرق الجنس، والنكرة تتناول البعض فيكون داخلا في الكل سواء قدم أو أخر، ومثل لإعادة المعرفة نكرة بقول الحماسي:
صفحنا عن بني ذهل وقلنا القوم إخوان ... عسى الأيام أن يرجعن قوما كالذي كانوا
صفحة ١٠٢