قوله: "واعلم إلخ" هذه ثلاثة مباحث في الموضوع أوردها مخالفا لجمهور المحققين يتعجب منها الناظر فيها الواقف على كلام القوم في هذا المقام الأول أن إطلاق القول بجواز تعدد الموضوع، وإن كان فوق الاثنين غير صحيح بل التحقيق أن المبحوث عنه في العلم إما أن يكون إضافة بين الشيئين أو لا وعلى الأول إما أن تكون العوارض التي لها دخل في المبحوث عنه بعضها ناشئا عن أحد المضافين وبعضها ناشئا عن المضاف الآخر أو لا، فإن كان كذلك فموضوع العلم كلا مباحث التقليد والاستفتاء في كتبنا ولا يبعد أن يقال إنه يعم المجتهد والمقلد والأدلة الأربعة إنما يتوصل بها المجتهد لا المقلد فأما المقلد فالدليل عنده قول المجتهد فالمقلد يقول هذا الحكم واقع عندي؛ لأنه أدى إليه رأي أبي حنيفة رحمه الله وكل ما أدى إليه رأيه فهو واقع عندي فالقضية الثانية من أصول الفقه أيضا فلهذا ذكر بعض العلماء في كتب الأصول مباحث التقليد والاستفتاء
...................................................................... ..........................
المضافين كما وقع البحث في الأصول عن إثبات الأدلة للأحكام والأحوال التي لها دخل في ذلك بعضها ناشئ عن الدليل كالعموم والاشتراك والتواتر وبعضها عن الحكم ككونه عبادة أو عقوبة فموضوعه الأدلة والأحكام جميعا. وأما إذا لم يكن المبحوث عنه إضافة كما في الفقه الباحث عن وجوب فعل المكلف وحرمته وغير ذلك أو كان إضافة لكن لا دخل للأحوال الناشئة عن أحد المضافين في المبحوث عنه كما في المنطق الباحث عن إيصال تصور أو تصديق إلى تصور أو تصديق ولا دخل لأحوال التصور والتصديق الموصل إليه في ذلك على ما قرره المصنف فيما سبق فالموضوع لا يكون إلا واحدا؛ لأن اختلاف الموضوع يوجب اختلاف المسائل الموجب لاختلاف العلم ضرورة أن العلم إنما يختلف باختلاف المعلومات وهي المسائل، وفيه نظر؛ لأنه إن أريد باختلاف المسائل مجرد تكثرها فلا نسلم أنه يوجب اختلاف العلم وظاهر أن مسائل العلم الواحد كثيرة ألبتة، وإن أريد عدم تناسبها فلا نسلم أن مجرد تكثر الموضوعات يوجب ذلك، وإنما يلزم ذلك لو لم تكن الموضوعات الكثيرة متناسبة والقوم صرحوا بأن الأشياء الكثيرة إنما تكون موضوعا لعلم واحد بشرط تناسبها ووجه التناسب اشتراكها في دان كالخط والسطح والجسم التعليمي للهندسة فإنها تتشارك في جنسها، وهو المقدار أعني الكم المتصل القار الذات أو في عرضي كبدن الإنسان وأجزائه والأغذية والأدوية والأركان والأمزجة وغير ذلك إذا جعلت موضوعات الطب فإنها تتشارك في كونها منسوبة إلى الصحة التي هي الغاية في ذلك العلم فعلم أنهم لم يهملوا رعاية معنى يوجب الوحدة وأن ليس لأحد أن يصطلح على أن الفقه والهندسة علم واحد موضوعه فعل المكلف والمقدار أنه فيما أورد من المثالين مناقض نفسه؛ لأن موضوع الأصول ثم أشياء كثيرة، إذ محمولات مسائله ليست أعراضا ذاتية لمفهوم الدليل، بل للكتاب والسنة والإجماع والقياس على الانفراد أو التشارك بين اثنين أو أكثر، وكذا التصور والتصديق في المنطق.
صفحة ٣٩