قوله: "ولا يراد عليه" المصطلح بين الشافعية أن العلم بالأحكام إنما يسمى فقها إذا كان حصوله بطريق النظر والاستدلال حتى أن العلم بوجوب الصلاة والصوم ونحو ذلك مما اشتهر كونه من الدين بالضرورة بحيث يعلمه المتدين وغيره لا يعد من الفقه اصطلاحا ولهذا يذكرون قيد خطاب الشارع فالأول لا يكون من الفقه، بل هو علم الأخلاق والثاني هو الفقه وحد الفقه يكون صحيحا جامعا مانعا على هذا المذهب. وأما عند الأشعري وأتباعه فحسن كل فعل وقبحه شرعي فيكونان من الفقه مع أن حسن التواضع والجود ونحوهما وقبح أضدادهما لا يعدان من الفقه المصطلح عند أحد فيدخل في حد الفقه المصطلح ما ليس منه فلا يكون هذا تعريفا صحيحا للفقه المصطلح على مذهب الأشعري. "ولا يزاد عليه" أي على حد الفقه المصطلح "التي لا يعلم كونها من الدين ضرورة لإخراج مثل الصلاة والصوم فإنهما منه وليس المراد بالأحكام بعضها وإن قل" اعلم أن هذا القيد ذكر في المحصول ليخرج مثل الصلاة والصوم وأمثالهما إذ لو لم يخرج لكان الشخص العالم بوجوبهما فقيها وليس كذلك فأقول هذا القيد ضائع؛ لأنا لا نسلم أنه لو لم يخرج لكان الشخص العالم بوجوبهما فقيها؛ لأن المراد بالأحكام ليس بعضها وإن قل فإن الشخص العالم بمائة مسألة من أدلتها سواء يعلم كونها من الدين ضرورة أو لا يعلم كالمسائل الغريبة التي في كتاب الرهن ونحوه لا يسمى فقيها فالعلم بوجوب الصلاة والصوم من الفقه مع أن العالم بذلك وحده لا يسمى فقيها كالعلم بمائة مسألة غريبة فإنه من الفقه لكن العالم بها وحدها ليس بفقيه فلا معنى لإخراجهما منه بذلك العذر الفاسد.
ثم اعلم أنه لا يراد بالأحكام الكل؛ لأن الحوادث لا تكاد تتناهى، ولا ضابط يجمع أحكامها، ولا يراد كل واحد لوجود لا أدري، ولا بعض له نسبة معينة بالكل كالنصف أو
...................................................................... ..........................
الاكتساب والاستدلال فالإمام قيد في المحصول الأحكام بالتي لا يعلم كونها من الدين بالضرورة، وقال هو احتراز عن العلم بوجوب الصلاة والصوم فإنه لا يسمى فقها بمعنى أنه لا يدخل في مسمى الفقه ولا يعد منه على ما صرح به في قيد العملية لا بمعنى أنه لو لم يحترز عنه لزم أن يكون العالم بمجرد وجوبهما فقيها على ما فهمه المصنف فاعترض بمنع لزوم ذلك بناء على أن الفقيه من له الفقه والفقه ليس علما ببعض الأحكام، وإن قل حتى يكون العالم بمسألة أو مسألتين فقيها، بل العالم بمائة مسألة غريبة استدلالية وحدها لا يسمى فقيها، ثم إذا كان اصطلاحهم على أن العلم بضروريات الدين ليس من الفقه فلا بد من إخراجها عن تعريفهم الفقه فلا يكون القيد المخرج لها ضائعا ولا القول بكونها من الفقه صحيحا عندهم ولا الاصطلاح على ذلك صالحا للاعتراض عليهم.
صفحة ٢٩