239

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه

تصانيف

قوله: "مسألة" ترجمة هذا البحث بالمسألة ليست كما ينبغي، والأشبه أنه اعتراض على ما ذكر من أن اللفظ يفيد القطع، وجواب عنه، تقرير الاعتراض أن الدليل اللفظي مبني على أمور ظنية، والمبني على الظن لا يفيد اليقين، أما الثاني فظاهر، وأما الأول فلتوقفه على أمور وجودية كنقل اللغة لمعرفة معاني المفردات، والنحو لمعرفة معاني هيئات التراكيب، والصرف لمعرفة معاني هيئات المفردات، وعلى أمور عدمية كعدم الاشتراك، والمجاز، ونحوهما إذ لا دلالة على تعيين المقصود مع احتمال شيء من ذلك، والأمور المذكورة كلها ظنيات أما الوجوديات فلتوقف قطعيتها على عصمة الرواة إن نقلت بطريق الآحاد، وإلا فعلى التواتر، وكلاهما منتف، وأما العدميات فلأن مبناها على الاستقراء، وهو إنما يفيد الظن دون القطع. ولا يخفى أنه لا معنى لابتناء عدم المجاز أو عدم المعارض العقلي على الاستقراء، وتقرير الجواب أنه إن أريد أن بعض الدلائل اللفظية غير قطعية فلا نزاع، وإن أريد أنه لا شيء منها بقطعي فالدليل المذكور لا يفيده؛ لأنا لا نسلم أن الأمور المذكورة ظنية في كل دليل لفظي، وقوله أما في الوجوديات فلعدم العصمة وعدم التواتر قلنا لا نسلم عدم التواتر في الكل فإن منها ما هو متواتر لغة كمعنى السماء، والأرض، ونحوا كقاعدة رفع الفاعل، وصرفا كقاعدة أن مثل ضرب: فعل ماض فيجوز أن يؤلف منها دليل لفظي، وقوله في العدميات؛ لأن مبناها على الاستقراء قلنا ممنوع بل مبناها على أن الاشتراك، والمجاز، وغيرهما من الرواة، وعدم التواتر، وأما العدميات فلأن مبناها على الاستقراء، وهذا باطل لأن بعض اللغات، والنحو، والتصريف بلغ حد التواتر والعقلاء لا يستعملون الكلام في خلاف الأصل عند عدم القرينة، وأيضا قد نعلم بالقرائن القطعية أن الأصل هو المراد، وإلا تبطل فائدة التخاطب، وقطعية المتواتر أصلا.

تقديره، والذين ظلموا أسروا النجوى كي لا يكون من قبيل أكلوني البراغيث "والتأخير، والناسخ، والمعارض العقلي، وهي ظنية أما الوجوديات"، وهي نقل اللغة، والصرف، والنحو "فلعدم عصمة الرواة، وعدم التواتر، وأما العدميات"، وهي من قوله، وعدم الاشتراك إلى آخره "فلأن مبناها على الاستقراء، وهذا باطل" أي ما قيل: إن الدليل اللفظي لا يفيد اليقين "لأن بعض اللغات، والنحو، والتصريف بلغ حد التواتر" كاللغات المشهورة غاية الشهرة، ورفع

...................................................................... ..........................

الأمور التي يتوقف الدليل على عدمها كلها خلاف الأصل، والعاقل لا يستعمل الكلام في خلاف الأصل إلا عند قرينة تدل عليه، فاللفظ عند عدم قرينة خلاف الأصل يدل على معناه قطعا، ولو سلم عدم قطعية دلالته عليه عند عدم قرينة خلاف الأصل فيجوز أن ينضم إليه قرينة قطعية الدلالة على أن الأصل هو المراد به، وحينئذ يعلم قطعا أن الأصل هو المراد، وإلا لزم بطلان فائدة التخاطب إذ لا فائدة إلا العلم بمعاني الخطابات، ولوازمها، وبطلان كون المتواتر قطعيا؛ لأنه خبر انضم إليه قرينة دالة على تحقق معناه قطعا، وهي بلوغ رواته حدا يمتنع تواطؤهم على الكذب فإذا لم يكن مثل هذا الكلام قطعي الدلالة على أن معناه هو المراد لم يكن المتواتر قطعيا.

قوله: "وقد أوردوا في مثاله" هذا على تقدير ثبوته يصلح مثلا لمجرد التقديم لا للتقديم القادح في قطعية المراد، وتوسيط هذا الكلام بين التقديم، والتأخير ليس على ما ينبغي؛ لأنهما معا شرط واحد فلا يتصور افتراقهما.

قوله: "كي لا يكون من قبيل أكلوني البراغيث" فإن قيل: هو باعتبار التقديم لا يخرج عن هذا القبيل؛ لأن أكلوني البراغيث، أيضا يحتمل التقديم على أن يشبه البراغيث في شدة نكايتها بالعقلاء فيستعمل الواو ضمير جمع لها قلنا المراد بقبيل أكلوني البراغيث اللغة الضعيفة التي يؤتى فيها بالواو دلالة على أن الفاعل جمع سواء كان الفاعل من العقلاء أو شبيها بهم أو لم يكن كذلك، والآية باعتبار التقديم والتأخير تخرج من هذا القبيل.

قوله: "والمعارض" يشترط عدم المعارض العقلي؛ لأن النقل يقبل التأويل بخلاف العقل، ولأنه فرع العقل لاحتياجه إليه من غير عكس فلا يجوز تكذيب الأصل لتصديق الفرع المتوقف صدقه على صدق الأصل.

صفحة ٢٤١