شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه

سعد الدين التفتازاني ت. 792 هجري
188

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه

تصانيف

بل للإعراض عما قبله وإثبات ما بعده على سبيل التدارك نحو جاءني زيد بل عمرو فلهذا قال زفر في قوله له علي ألف درهم بل ألفان يجب ثلاثة آلاف لأنه لا يملك إبطال الأول كقوله أنت طالق واحدة بل ثنتين تطلق ثلاثا قلنا الإخبار يحتمل التدارك وذا في العرف نفي انفراده نحو سني ستون بل سبعون بخلاف الإنشاء

لكن في المفهوم غيرها نحو سقاه فأرواه ونحو قوله عليه السلام "لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" فإن قال بعت هذا العبد منك فقال الآخر فهو حر يكون قبولا بخلاف هو حر ولو قال لخياط أيكفيني هذا الثوب قميصا فقال نعم فقال فاقطعه فقطعه فإذا هو لا يكفيه يضمن كما لو قال إن كفاني فاقطعه بخلاف قوله اقطعه، وقد تدخل على العلل نحو أبشر فقد أتاك الغوث ونظيره أد إلي ألفا فأنت حر يعتق في الحال وكذا انزل فأنت آمن"

...................................................................... ..........................

قوله: "ولن يجزي ولد والده" يعني أن الوالد سبب لحياته الحقيقية فهو بالإعتاق يصير سببا لحياته الحكمية لأن الرق موت حكمي فالفاء هاهنا لمجرد التأخير بالمعلولية لا بالزمان فبالاشتراء يحصل الملك، وبالملك يحصل العتق لأن وضع الشراء لإثبات الملك، والإعتاق لإزالته فلا يكون حكما للشراء إلا أنه يصح إضافة العتق إلى الشراء لكونه موجبا لموجب العتق.

قوله: "فهو حر" مع الفاء يقتضي القبول كأنه قال قبلت فهو حر إذ الإعتاق لا يترتب على الإيجاب إلا بعد ثبوت القبول بخلاف هو حر فإنه يحتمل أن يكون ردا للإيجاب بثبوت الحرية قبله، وكذا الإذن بالقطع بدون الفاء إذن مطلق، ومع الفاء مقيد بالشرط أي إذا كان كافيا فاقطعه.

قوله: "وقد تدخل على العلل" دخول الفاء على الجمل الواردة بعد الأوامر والنواهي مستفيض في كلام العرب على معنى كون ما بعدها سببا لما قبلها، ولما كان الفاء للتعقيب، والسبب يكون متقدما على المسبب لا متعاقبا إياه تكلف المصنف رحمه الله تعالى لتحقيق التعقيب بأن ما بعد الفاء علة باعتبار معلول باعتبار ودخول الفاء عليه باعتبار المعلولية لا باعتبار العلية، وذلك أن المعلول الذي هو الحكم السابق على الفاء كالإبشار مثلا علة غائية للعلة التي دخلت عليها الفاء كالإخبار بإتيان الغوث لكونه مقصودا منها فتكون تلك العلة التي دخلت عليها الفاء معلولا بالنظر إلى تلك العلة الغائية، وأنت خبير بأن ليس الإبشار علة غائية لإتيان الغوث، ولا الأمر بالتزود لكون خير الزاد التقوى، ولا الأمر بالعبادة لكون العبادة حقا لله تعالى في مثل اعبد ربك فالعبادة حق له، ولا الأمر بتركه لذهاب دولته إلى غير ذلك، وإنما هو علة غائية للإخبار بذلك، وأيضا العلة الغائية إنما تكون علة لعلية العلة لا للعلة نفسها فكيف يكون ما دخلت عليه الفاء معلولا؟ فالأقرب ما ذكره القوم من أنها إنما تدخل على العلل باعتبار أنها تدوم فتتراخى عن ابتداء الحكم فإن الغوث باق بعد الإبشار.

صفحة ١٩٢