قوله: "فالخلاف" يعني عندهما الأصل هذا ابني لإثبات البنوة، والخلف هذا ابني لإثبات مسألة: الداعي إلى المجاز اختصاص لفظه بالعذوبة أو صلاحيته للشعر أو السجع أو أصناف البديع أو معناه بالتعظيم أو التحقير أو الترغيب أو الترهيب أو زيادة البيان فإن ذكر الملزوم بينة على وجود اللازم أو تلطف الكلام فيفيد لذة تخيلية
وأيضا بناء على أن الأصل المتفق عليه أن من شرط صحة الخلف إمكان الأصل "كما في مسألة مس السماء" فإن إمكان الأصل فيها شرط لصحة الخلف وصورة المسألة أن يحلف بقوله والله لأمس السماء تجب الكفارة لأن الكفارة خلف عن البر ففي كل موضع
...................................................................... ..........................
الحرية، وكذا على التفسير الثاني لكلام الإمام فلا يقع الخلاف إلا في جهة الخلفية، وأما على التفصيل الأول فالأصل عنده هذا حر فيقع الخلاف في تعيين الحقيقة التي هي الأصل أيضا، ولا يقتصر على الخلفية، وهذا معنى قوله فالخلاف يكون في الأصل، والخلف أي في تعيين مجموعهما لا في كل واحد منهما إذ المجاز الذي هو الخلف إنما هو هذا ابني لإثبات الحرية بلا خلاف على كلا التفسيرين لا يقال قد سبق أن معنى الخلفية في الحكم أن الحكم المجازي خلف عن الحكم الحقيقي فعندهما الأصل ثبوت البنوة، والخلف ثبوت الحرية وعنده الأصل هذا حر، والخلف هذا ابني مجازا فيقع الخلاف في كل واحد من الأصل والفرع لأنا نقول هذا لازم على التفسير الثاني أيضا لأن الأصل عنده ليس هذا ابني حقيقة بل التكلم به، وهو مخالف لثبوت البنوة، والتحقيق أن الأصل والخلف هما اللفظان أعني الحقيقة والمجاز، والنزاع في أن هذا خلف عن ذاك في حكمه، أو في التكلم به، وما ذكروه من أن حكم هذا خلف عن حكم ذاك أخذ بالحاصل، وتوضيح للمقصود فعلى التفسير الأول تكون الحقيقة التي هي الأصل عنده مغايرة لما هي الأصل عندهما بخلاف التفسير الثاني فإنه لفظ واحد عندهم جميعا كالخلف على التفسيرين.
قوله: "فصحة الأصل" من كلام المصنف، ولم ينقل جواب الشرط الواقع في كلام فخر الإسلام رحمه الله تعالى، وهو قوله وجب المصير إلى خلفه احترازا عن إلغاء الكلام لحصول المقصود بدونه، وهو أنه جعل الأصل ما صح تكلما، وتعذر العمل بحقيقته، والظاهر أنه إنما يصدق على هذا ابني لا على هذا حر.
قوله: "لهما" المشهور في استدلالهما أن الحكم هو المقصود لا نفس اللفظ فاعتبار الأصالة والخلفية في المقصود أولى وفي استدلاله أن الحقيقة والمجاز من أوصاف اللفظ فاعتبار الأصالة والخلفية في التكلم الذي هو استخراج اللفظ من العدم إلى الوجود أولى، وذكر المصنف في استدلالهما ما يلائم كلام أهل العربية من أن مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم فلا بد من إمكان الملزوم ليتحقق الانتقال منه، وأجاب بأن الانتقال منه يتوقف على فهمه لا على إرادته، والفهم إنما يتوقف على صحة اللفظ، وكونه بحيث يدل على المعنى لا على إمكان معناه وصحته في نفسه ثم لا يخفى أن المجاز الذي لا يمكن صحة معناه الحقيقي في كلام البلغاء أكثر من أن يحصى بل في كلام الله تعالى أيضا.
صفحة ١٥٤