قوله: "الإعجاز في الكلام أن يؤدى المعنى بطريق هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق" ليس تفسير المفهوم إعجاز الكلام؛ لأنه لا يلزم أن يكون بالبلاغة، بل هو عبارة عن كون الكلام بحيث لا يمكن معارضته والإتيان بمثله من أعجزته جعلته عاجزا ولهذا اختلفوا في جهة إعجاز القرآن من الاتفاق على كونه معجزا فقيل إنه ببلاغته وقيل بإخباره عن المغيبات، وقيل بأسلوبه الغريب وقيل بصرف الله العقول عن المعارضة، بل المراد أن إعجاز كلام الله تعالى إنما هو بهذا الطريق، وهو كونه في غاية البلاغة ونهاية الفصاحة على ما هو الرأي الصحيح فباعتبار أنه يشترط في إعجاز الكلام كونه أبلغ من جميع ما عداه يكون واحدا لا تعدد فيه بخلاف سحر الكلام فإنه عبارة عن دقته ولطف مأخذه، وهذا يقع على طرق متعددة ومراتب مختلفة فلهذا قال أهداب السحر بلفظ الجمع وعروة الإعجاز بلفظ المفرد وهدب الثوب ما على أطرافه وعروة الكوز كليته الذي تؤخذ عنه أخذه وهي أقوى من الهدب فخصها بالإعجاز الذي هو أوثق من السحر، وفي الصحاح السحر الأخذة وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر، ومعنى تمسكه بذلك مبالغته في تلطيف الكلام وتأدية المعاني بالعبارات اللائقة الفائقة حتى كأنه يتقرب إلى السحر والإعجاز وهاهنا بحثان الأول أن كون طريق تأدية المعنى أبلغ من جميع ما عداه من الطرق المحققة الموجودة غير كاف في الإعجاز، بل لا بد من العجز عن معارضته والإتيان بمثله من الطرق المحققة والمقدرة حتى لا يمكن الإتيان بمثله غير مشروط؛ لأن الله تعالى قادر على الإتيان بمثل القرآن مع كونه معجزا فما معنى قوله أبلغ من جميع ما عداه والثاني أن الطرف الأعلى من البلاغة وما يقرب منه من المراتب العلية التي لا يمكن للبشر الإتيان بمثله كلاهما معجز على ما ذكر في المفتاح ونهاية الإعجاز وبعد: فإن العبد المتوسل إلى الله تعالى بأقوى الذريعة عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة سعد جده وجد سعده يقول لما رأيت فحول العلماء مكبين في كل عهد وزمان على مباحثة أصول الفقه للشيخ الإمام مقتدى الأئمة العظام فخر الإسلام علي البزدوي بوأه الله تعالى دار السلام وهو كتاب جليل الشأن باهر البرهان مركوز كنوز معانيه في صخور عباراته ومرموز غوامض نكته في دقائق إشاراته ووجدت بعضهم طاعنين على ظواهر ألفاظه لقصور نظرهم عن مواقع ألحاظه.
أدرت تنقيحه وتنظيمه وحاولت تبيين مراده وتفهيمه وعلى قواعد المعقول تأسيسه وتقسيمه موردا فيه زبدة مباحث المحصول وأصول الإمام المدقق جمال العرب ابن الحاجب مع تحقيقات بديعة وتدقيقات غامضة منيعة تخلو الكتب عنها سالكا فيه مسلك الضبط والإيجاز متشبثا بأهداب السحر متمسكا بعروة الإعجاز.
وسميته: تنقيح الأصول والله تعالى مسؤول أن يمتع به مؤلفه وكاتبه وقارئه وطالبه ويجعله خالصا لوجهه الكريم إنه هو البر الرحيم.
"وبعد فإن العبد المتوسل إلى الله تعالى بأقوى الذريعة عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة سعد جده وجد سعده يقول لما رأيت فحول العلماء مكبين في كل عهد وزمان على مباحثة أصول الفقه", أي: مقبلين عليها من أكب على وجهه سقط عليه فإن من أقبل على الشيء غاية الإقبال فكأنه أكب عليه "للشيخ الإمام مقتدى الأئمة العظام فخر الإسلام علي البزدوي بوأه الله تعالى دار السلام وهو كتاب جليل الشأن باهر البرهان مركوز كنوز معانيه في صخور عباراته ومرموز غوامض نكته في دقائق إشاراته ووجدت بعضهم طاعنين على ظواهر ألفاظه؛ لقصور نظرهم عن مواقع ألحاظه". أي لا يدركون بإمعان لنظر ما يدركه هو بلحاظ عينه من غير أن ينظر إليه قاصدا "أردت تنقيحه وتنظيمه وحاولت", أي طلبت "تبيين مراده وتفهيمه وعلى قواعد المعقول وتأسيسه وتقسيمه موردا فيه زبدة مباحث المحصول وأصول الإمام المدقق جمال العرب ابن الحاجب مع تحقيقات بديعة وتدقيقات غامضة منيعة تخلو الكتب عنها سالكا فيه مسلك الضبط والإيجاز متشبثا بأهداب السحر متمسكا بعروة الإعجاز", اختار في الإعجاز العروة وفي السحر الأهداب لأن الإعجاز أقوى وأوثق من السحر واختار في العروة لفظ الواحد وفي الأهداب لفظ الجمع لأن الإعجاز في الكلام أن يؤدي المعنى بطريق هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق ولا يكون هذا إلا واحدا وأما السحر في الكلام فهو دون الإعجاز وطرقه فوق الواحد فأورد فيه لفظ الجمع.
"وسميته بتنقيح الأصول، والله تعالى مسئول أن يمتع به مؤلفه وكاتبه وقارئه وطالبه
...................................................................... ..........................
وحينئذ يتعدد طريق الإعجاز أيضا بأن يكون على الطرف الأعلى أو على بعض المراتب القريبة
صفحة ١٤