إلا بشيء نحن على ثقة منه، إذا انتهى من شرح الحديث قال الترمذي: قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، يقول: وأخرجه فلان وفلان وفلان صاحب التحفة يخرج الأحاديث إذا انتهى منها، ثم إذا قال الترمذي: وهو في الباب عن فلان وفلان وفلان، والقصد من إيراد هذه الأسماء، إيجاد شواهد للحديث تدعمه وترقيه؛ لأنه قد يصحح الحديث فيستغرب الناظر كيف قال الترمذي: حسن صحيح وفيه انقطاع؟ صححه بالنظر لشواهده التي أشار إليها، بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان، فهو صحح بالمجموع، ما يذكره في قوله: وفي الباب عن فلان وفلان لا يلزم أن تكون بلفظ الحديث المذكور، ولا يلزم أن يكون بمعناه أيضا، وإنما يكون قوله: في الباب يعني مما يصلح أن يدون ويذكر في الباب، إما موافق للحديث وهذا هو الكثير والغالب، وقد يذكر وفي الباب مما يشير إليه مما فيه شيء من المعارضة لتطلع على هذا الحديث، تبحث عن هذا الحديث وتطلع عليه، وتنظر هل يوافق أو يخالف؟ هل يدعم الحديث أو يخالفه؟ المقصود أن الترمذي له مقاصد ومغازي في هذه الإشارات لا توجد عند غيره، وهذه من مزايا الكتاب، والمبارك فوري أشار إلى شيء منها، وخرج بعضها، بل خرج كثير منها، حديث أبي هريرة أخرجه البخاري، حديث أبي سعيد خرجه النسائي وهكذا ، وحديث ابن عمر ينظر من أخرجه، ما يلزم أن يطلع على كل شيء، ما يلزم أن يحيط بكل علم، كم ترك الأول للآخر، كم ترك الأول للآخر، كم ترك الأول لمن يستدرك بعده، وهذا من نعم الله -جل وعلا- أن العلم ما زال فيه فرصة، ما زال فيه فرصة ومحل الاجتهاد لتعظم الأجور؛ ولتبنى الشخصيات العلمية على هذه الطريقة، وإلا لو كان العلماء الأوائل أحاطوا بكل شيء وما تركوا لنا شيء، معناه ما لنا قيمة، ما للمتأخر قيمة، لكن ترك له فرصة ليجد ويجتهد ويبحث ويستخرج ويستنبط ((ورب مبلغ أوعى من سامع)) ليثبت له من الأجر نظير ما ثبت للمتقدمين، لكن شريطة أن يعطي من نفسه، ويبذل لخدمة هذا العلم، لا بد أن يبذل.
صفحة ٢٠