الترمذي رماه أهل العلم بالتساهل كالحافظ الذهبي، وهذا لا يضيره أبدا؛ لأننا بين أمرين: إما أن يكون القارئ مبتدئ حكمه حكم العامي، والعامي حكمه التقليد عند أهل العلم، فمثل هذا لا بد أن يسأل عن هذا الحديث هل ثبت أم لم يثبت؟ وهل يعمل به أو لا يعمل به؟ هذا لا بد أن يسأل، وأما المتأهل فلا بد أن ينظر في الأسانيد والمتون، فإذا صحح الترمذي ووجد استدراك على تصحيحه لا مانع من أن يبين هذا الاستدراك لاسيما إذا عورض تصحيحه بتضعيف أحد الأئمة، فمن لديه أهلية النظر مثل هذا ينظر، أما المبتدئ الذي ليست لديه الأهلية هذا حكمه حكم العامي يقتدي بأهل العلم، فيقارن بين تصحيح الترمذي وحكم غيره من الأئمة، فإذا وافقه غيره أخذه وعمل به وإلا توقف.
الترمذي: منسوب إلى ترمذ، المشهور على ألسنة الناس حتى المتقدمين منهم كسر التاء والميم، ومنهم من يفتح التاء ويكسر الميم ترمذ، ومنهم من يضمهما، وترمذ هذه بلدة في المشرق فيما وراء النهر، وبقربها قرية يقال لها: (بوغ) ينسب إليها الترمذي أيضا فيقال: البوغي وهو أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، مترجم في كتب التراجم وكتب الأعلام تراجمه، أفاض أرباب التراجم في ذكرها، ومدحوه بما هو أهله من العلم والعمل، من الحفظ والضبط والإتقان، ووصف -رحمه الله تعالى- بقوة الحافظة، وكان يحفظ لأول مرة، وكتابه شاهد على ذلك، كتابه شاهد على ذلك، يدل على نبوغ، حتى قال بعضهم: إنه أنفع للمتعلم من الصحيحين، أنفع للمتعلم من الصحيحين، لماذا؟ لأن فيه جميع أنواع علوم الحديث، جميع ما يحتاجه طالب العلم من علوم الحديث ليتمرن عليها، ويتخرج منها موجودة في هذا الكتاب، ففيه المتون، وفيه الأسانيد، وفيه التفريق بين الأحاديث في أحكامها، وفيه التنبيه على علل، وفيه التنبيه على العمل وعدمه عند أهل العلم، وذكر المذاهب، والاختلاف على الرواة، فيه كل ما يحتاجه طالب العلم، بينما الكتب الأخرى كثير من هذا الأبواب لا توجد فيها، لا توجد فيها، فعلى طالب العلم أن يعنى به، وهذا هو سبب اختيار هذا الكتاب لهذه الدورة وما يليها من دورات -إن شاء الله تعالى-.
صفحة ١٢