[الجزء 1]
شرح الرضي على الكافية - رضي الدين الأستراباذي ج 1
شرح الرضي على الكافية
رضي الدين الأستراباذي ج 1شرح الرضي على الكافية - رضي الدين الأستراباذي ج 1 ¶ شرح الرضي على الكافية ¶ رضي الدين الأستراباذي ج 1
صفحة ١
جميع حقوق الطبع محفوظة 1398 ه - 1978 م جامعة قاريونس شرح الرضى على الكافية طبعة جديدة مصححة ومذيلة بتعليقات مفيدة الجزء الاول تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر الاستاذ بكلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية كلية اللغة العربية والدراسات السلامية بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله على واسع فضله، وسابغ نعمته، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وصفوة المرسلين، سيدنا محمد النبي الامين، وعلى آله وصحابته وآل بيته أجمعين،
ورضي الله تعالى عن أسلافنا وجزاهم خيرا، بما قدموا لنا من ثمار أفكارهم ونتاج عقولهم مما بذلوا فيه غاية جهدهم، وأقصى طاقتهم حتى وصل إلينا داني القطوف، شهي الثمار، وحتى تحقق بذلك قول القائل: ما ترك الاول للاخر، رحمهم الله تعالى.
وأجزل لهم المثوبة،.
صفحة ٥
وبعد، فإن المكتبة العربية تزخر بكنوز ثمينة من هذا التراث الفكري، العربي والاسلامي في مختلف العلوم، وعلى تعاقب العصور، وقد هيأ الله تعالى لكثير من هذا التراث أن يرى النور، فينتفع به الباحثون والدارسون، وطلاب المعرفة، بفضل ما بذله ويبذله الباحثون وما تقوم به الهيئات العلمية " الرسمية وغير الرسمية "، من نشر لهذه الكنوز، وتجليتها للناس وإبرازها في صورة مشرقة، تجمع إلى التحقيق العلمي الدقيق، جمال الطبع وحسن الاخراج، وفي مكتبة النحو، من هذا التراث، كتاب جليل القدر عظيم الفائدة يعرف قيمته كل مشتغل بهذا العلم، بما اشتمل عليه من تحقيق لمسائله واستيعاب لاهم قواعده، حتى أصبح في مقدمة المراجع لهذا العلم، وهو كتاب: " شرح الرضى على كافية ابن الحاجب "، الذي تجلى فيه جهد اثنين من أبرز العلماء وأشهرهم، عاشا معا في القرن السابع الهجري وسبق أحدهما الاخر بما يقل عن نصف قرن من الزمان، أما أحدهما، وهو أسبقهما، فهو الامام العالم الحجة: أبو عمر: عثمان بن عمر الكردي المعروف بابن الحاجب، المتوفى سنة 646 ه ، وهو من أصل كردي، نشأ بمصر لان أباه كان حاجبا لاحد أمرائها فاشتهر بابن الحاجب، وقد نبغ في كثير من العلوم العربية والاسلامية ومنها علم النحو، فألف فيه
رسالة موجزة، اشتهرت باسم " الكافية "، وهي على اختصارها وشدة وجازتها، جمعت أهم مسائل النحو، وحوت جل مقاصده، وقد تسابق العلماء من بعد ابن الحاجب، إلى شرح هذه الرسالة وتوضيح مجملها ومن شروحها شرح لمؤلفها نفسه، وقد نقل عنه كثير ممن ألفوا في النحو بعد ذلك.
صفحة ٦
وأما ثانيهما فهو العلامة المحقق: " رضى الدين: محمد بن الحسن الاستراباذي المتوفى سنة 688 ه، وهو من " استراباذ " إحدي قرى " طبرستان "، وقد عاش حياته بين العراق والمدينة المنورة، وقد علم برسالة ابن الحاجب هذه وشرح مؤلفها لها، فبادر هو إلى شرحها في هذا الكتاب الذي نتحدث عنه، " كما أن لابن الحاجب رسالة صغيرة ثانية في الصرف، اسمها " الشافية " شرحها الرضي كذلك شرحا وافيا، وهي كذلك تعتبر من أهم مراجع علم الصرف وهي مطبوعة طبعا حديثا في مصر "، وجاء في مقدمة الرضى لشرحه على الكافية أنه فعل ذلك استجابة لرغبة من أحد الذين قرأوا عليه هذه الرسالة، ويقول انه أراد أن يعلق عليها ما يشبه الشرح، ثم اقتضى الحال بعد الشروح أن يتجاوز الاصول إلى الفروح، والحق أن كتابه هذا جاء مرجعا علميا جليل القدر عظيم الفائدة في هذا العلم، وعلى كثرة ما كتبه العلماء على رسالة الكافية من شروح وتعليقات، قد نقل كثيرون ممن جاءوا بعد الرضى عن شرحه هذا وأخذوا منه.
وامتاز الرضي في شرحه هذا باستقلال الرأي وحرية الفكر، فلم يتحيز ولم يتعصب لمذهب معين لاحد ممن سبقوه، وعلى ميله الغالب إلى مذهب البصريين، وتمجيده لامام النحو " سيبويه " وتقديره لكتابه، يختار كثيرا، بعض آراء الكوفيين ويدافع عنها، بل ان ذلك ظهر في كثير من تعبيراته، التي وردت في هذا الشرح،
وهو، إلى ذلك، قد ينفرد برأي خاص في بعض المسائل، بعد أن يعرض أقوال السابقين ويفندها، وقد يرجع بعضها ويدافع عنه دفاعا قويا.
وقد حفل شرحه هذا بشواهد من القرآن ومن الشعر، وبعض الاحاديث النبوية، وعبارات مما تضمنه كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، فأما الشعر فقد جاء فيه ما يقرب من ألف شاهد، وقد تكفل بشرحها شرحا علميا وأدبيا وتاريخيا: العلامة عبد القادر البغدادي من علماء القرن الحادي عشر الهجري في كتاب، هو جدير، حقا بما سماه به صاحبه: " خزانة الادب، ولب لباب لسان العرب "، وكثير من الادباء وعلماء اللغة يرجعون إليه في معظم ما يكتبون، وأما شواهده القرآنية، فمما لا شك فيه أن كتاب الله تعالى هو قمة الاستشهاد على علوم اللغة العربية، وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثار خلاف بين السابقين من علماء النحو في صحة الاستشهاد به، وتحرج كثير منهم من ذلك وخلت كتب كثيرة من ذكر الاحاديث النبوية، وهو خلاف طويل لا يتسع المجال هنا لعرضه، وقد لخص ذلك: البغدادي في مقدمة خزانة الادب، ولكنهم انتهوا أخيرا إلى صحة الاستشهاد بالحديث وبدأت مؤلفاتهم تمتلئ به، فسلك الرضى مسلكهم في ذلك.
صفحة ٧
ثم، جاء في هذا الشرح استشهاد ببعض عبارات منسوبة للامام علي بن أبي طالب، كما تقدم، ولا ريب في أن كلام علي رضي الله عنه في مقدمة ما يستشهد به، ولكن الذي منع غير الرضى من الاستشهاد بكلامه رضي الله عنه، هو ما دار حول كتاب " نهج البلاغة " من تشكيك في صحة نسبته إليه، وأنه من كلام
الشريف الرضي، أو أخيه الشريف المرتضى، وان كان بعض الباحثين يرجح نسبته إلى علي رضي الله عنه ويدافع عن ذلك، ويرد ما قيل من شبه في نسبته إليه، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، تشيع الرضي وقد عزا بعض الباحثين السبب في استشهاد الرضي بكلام الامام علي وإطرائه لبلاغته رضي الله عنه، إلى أن الرضى رحمه الله إما أن يكون شيعيا، وإما أن يكون من سلالة الامام علي، وقد تبينت من تأملي في هذا الكتاب ما يرجح " أنه شيعي " فقد حرص في تمثيله لبعض القواعد أن يبرز هذا الاعتقاد عنده، حيث مثل لتقدم المفعول على الفاعل عند قيام القرينة بقوله: (1) " استخلف المرتضى المصطفى صلى الله عليه وسلم "، كما مثل في باب المركبات بقوله: " كما تقول: " الحسين رضي الله عنه ثالث الاثني عشر "، وهذه عبارات ناطقة بالتشيع.
صفحة ٨
تقدير العلماء لهذا الشرح وقد علق الشريف الجرجاني من علماء القرن التاسع الهجري على هذا الكتاب وناقش مؤلفه في بعض المسائل، وصحح بعض عباراته وأشار إلى ما يوجد بين نسخه المخطوطة، المتعددة، من خلاف في العبارة، وقد أشار إل ذلك في اجازة منحها لمن قرأ عليه هذا الشرح كما أشار إلى قيمة هذا الكتاب، وإلى ما بذله من جهد في تصحيح نسخه المختلفة، وذلك حيث يقول: " وإن شرح الكافية، للعالم الكامل، نجم الائمة، وفاضل الامة، محمد ابن الحسن الرضى الاستراباذي، كتاب جليل الخطر، محمود الاثر، يحتوي
صفحة ٩
من أصول هذا الفن على أمهاتها...وجاء كتابه هذا كعقد نظم فيه جواهر الحكم بزواهر الكلم..الخ ما قال "، ثم يشير إلى اختلاف النسخ التي اطلع عليها لهذا الكتاب فيقول: " لكن وقع فيه تغييرات، وشئ من المحو والاثبات، وبدل بذلك نسخه تبديلا بحيث لا تجد إلى سيرتها الاولى سبيلا، " وبعد أن أشار إلى ما بذله من جهد في تصحيحه يقول: " فتصحح إلا ما نذر، أو طغى به القلم، أو زاغ البصر "، وقد نقل البغدادي في مقدمة خزانة الادب جزءا من هذه الاجازة، كذلك يقول البغدادي عن هذا الشرح وهو يتحدث عنه وعن مؤلفه: إن كتب النحو بعده صارت كالشريعة المنسوخة، ولا يتحدث عن الرضى إلا بقوله: الشارح المحقق، هذه كلمة موجزة عن الرضى، وعن كتابه " شرح الكافية " الذي ظل مخطوطا إلى أواخر القرن الهجري الماضي، حيث ظهرت المطابع في كثير من البلاد، فظهرت أول طبعة منه في تركيا سنة 1275 ه وجاء في ختام هذه الطبعة أنها قد روجعت على آخر نسخة قوبلت على نسخة المؤلف، وطبعت على هوامشه تعليقات الشريف الجرجاني التي سبقت الاشارة إليها، وهي كثيرة في بعض الصفحات حتى لقد طبع ما لم تكفه الهوامش في قصاصات صغيرة، ألصقت بين الصفحات، كما خلت صفحات كثيرة من هذه التعليقات أو اشتملت على القليل منها، وأغلب هذه التعليقات يشير إلى اختلاف النسخ، وبعضها يتضمن مناقشة للرضى، أو توضيحا لبعض عباراته، ومنها ما يتضمن استطرادا أو استشهادا أو تفسيرا لبعض الشواهد أو العبارات.
ولقد كانت حالة الطباعة في هذا الوقت سببا في وقوع كثير من الاخطاء كما جاءت هذه الطبعة متزاحمة الكلمات والسطور بحيث امتلات جميع الصفحات بالكلمات لا يفصل بينها فاصل يحدد مواقع الجمل، وبداية الكلام ونهايته، وليس في صفحات الكتاب كلها عنوان لبحث، وغير ذلك من الظواهر التي جعلت الصورة الاخيرة لهذه الطبعة، لا تعين القارئ على إدامة النظر في الكتاب وإمكان الانتفاع بما فيه.
صفحة ١٠
وتقع هذه الطبعة في جزأين كبيرين، مجموع صفحاتهما سبعمائة صفحة، وهي مطبوعة في مطبعة " محمد لبيب " بالاستانة سنة 1275 ه كما تقدم وفي عهد السلطان عبد المجيد، ثم ظهرت بعدها طبعتان في شكل واحد وحجم واحد وينقص عدد السطور من صفحاتهما عن الطبعة السابقة فوصلت بذلك صفحات كل منهما إلى ما يزيد عن خمسين وثمانمائة صفحة، واحدى الطبعتين طبعت في مطبعة " الحاج محرم أفندي البستوي " سنة 1305 ه وطبعت الثانية بمطبعة شركة الصحافة العثمانية سنة 1310 ه، وكلتاهما في عهد السلطان عبد الحميد، وكل ما ظهر من فرق بين هاتين الطبعتين، والطبعة الاولى إنما هو زيادة عدد الصفحات فيهما عن سابقتهما بسبب اختلاف حجم الورق، فالاخطاء هي الاخطاء، وازدحام الصفحات بالكلمات والسطور، والتعليقات المطبوعة على الهوامش والقصاصات الملصقة بين الصفحات لاستيعاب هذه التعليقات وعدم العناوين، وغير ذلك، كل هذا لم يختلف في قليل ولا كثير في هاتين الطبعتين عنه في الطبعة الاولى، ومع كل هذه العيوب في هذه الطبعات الثلاث، كان وجودها يسد فراغا في مراجع هذا الفن على الرغم مما يلقاه الناظر فيها من صعوبات، ولكن هذه الطبعات لا يكاد يوجد منها شئ إلا أن يكون في مكتبة خاصة لبعض العلماء، أو دار من دور الكتب التي يؤمها الباحثون، وذلك يبرز، إلى حد بعيد، مدى الحاجة إلى تيسير وجود هذا الكتاب النافع بإعادة طبعه في صورة جديدة، يستفاد فيما بما وصلت إليه الطباعة في هذا العصر من التقدم والازدهار، أما إخراج الكتاب إخراجا علميا محققا يجمع شتات نسخه المخطوطة المتعددة ويحقق ما امتلا به من نصوص منقولة عن السابقين من العلماء والتي أكثر منها الرضى معزوة إلى أصحابها، فذلك أمل نرجو أن يتحقق على يد من يوفقه الله إليه، ويكون قادرا على النهوض به.
صفحة ١١
وإلى أن يتحقق هذا الرجاء، إن شاء الله تعالى، وجدت أن من الميسور أن يعاد طبع هذا الكتاب في صورة جديدة تعين على الانتفاع به بتلافي ما أشرت إليه من عيوب في الطبعات السابقة، فقد استخرت الله تعالى ونظرت في هذا الكتاب طويلا، حتى استوعبت كثيرا منه، وتعرفت ما في طبعاته السابقة من أخطاء يمكن تداركها، وتبينت طريق الرضى في عرضه لمسائل هذا العلم وأسلوبه في نقد ما يعرض له من آراء العلماء، كما تبينت ما في بعض عباراته من الغموض الذي يحتاج إلى التوضيح والتفسير، فهو عندما يقصد المبالغة في الشرح والتوضيح، يسرف في التكرار وفرض الامثلة، ويستطرد إلى ما ليس من موضوع البحث، وحين يعود إلى ما كان فيه يكون قد طال الفصل وكثر الاستطراد، وقد كان من الاخطاء التي وقعت في تلك الطبعات أن انتقلت جمل وسطور من مكانها ولم ينبه عليها أحد، وبعد طول النظر وتفهم المقصود منها أمكن، بفضل الله، وضع كل شئ في مكانه فاستقام المعني، أو كاد، ثم بدأت في نسخ الكتاب، متخذا أساس ذلك: النسخة التي طبعت سنة 1275 ه وفي خلال ذلك أصلحت كل ما بدا واضحا من أخطاء الطبع، وشرحت بعض المفردات اللغوية، ووضحت المقصود من بعض عبارات الرضى، ثم أبرزت بحوثه وموضوعاته بعناوين، كما بينت بدء كلام كل من ابن الحاجب والرضى، ولم يكن من ذلك شئ فيما طبع من هذا الشرح، وأشرت، في إيجاز إلى ما يتصل بما فيه من الشواهد، وحددت مواضع الايات القرآنية التي وردت فيه، وترجمت بكلمات قصيرة لاعلام النحاة واللغويين والقراء الذين، ذكرهم الرضى، وقد أكثر من ذكر النحاة الذين نقل عنهم بأسمائهم فكاد يستوعب كل من سبقوا عهده من أئمة النحو وعلمائه، حتى لقد نقل عن بعض معاصريه كابن مالك، وصاحب المغنى " منصور بن فلاح اليمني " والاندلسي (1)، وخلصت من ذلك كله، إلى أن الكتاب سيتم طبعه، إن شاء الله، في أربعة أجزاء كبار، وهذا هو الجزء الاول منها، أرجو أن يتحقق به بعض النفع، إلى أن يتهيأ له من يوفقه الله لاخراجه وتحقيقه، كما أشرت، ولعلي بذلك أكون قد أسهمت في إحياء بعض ما خلفه أسلافنا رحمهم الله، من تراث فكري نافع، على قدر ما استع له جهدي وتناولته قدرتي، وحسبي ممن يطلع على هذا العمل فيرضى عنه: دعوة صالحة، وممن يرى فيه شيئا من القصور أو التقصير أن يلتمس العذر ويدعو بالمغفرة، فإن العصمة لله وحده، وفوق كل ذي علم عليم، * * * وقد ألحقت بكل جزء ما يتصل به من فهرس الموضوعات التي احتواها.
وأما بقية الفهارس فإنها ستلحق بالجزء الاخير من الكتاب، إن شاء الله تعالى.
صفحة ١٣
* * * والله، سبحانه، المعين على إتمامه، وهو الموفق إلى كل خير، والهادي إليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، الدكتور يوسف حسن عمر ربيع الاول 1393 ه مايو 1973 م شكر وتقدير يرجع الفضل في إخراج هذا الكتاب على هذه الصورة إلى فضيلة الاخ الشيخ ابرهيم رفيدة كلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية بالبيضاء.
فما إن علم فضيلته بالجهد الذي بذلته في هذا الكتاب واطلع عليه حتى بادر بإبلاغ المسئولين في الجامعة الليبية شارحا لهم القيمة العلمية لهذا الكتاب والثمرة المرجوة من إعادة طبعه فتقرر طبعه على نفقة الجامعة الليبة، أداء لواجبها العلمي وسيرا على السنن الحميد الذي تسير عليه، من إبراز كل ما هو نافع ومفيد من التراث العربي والاسلامي، وتمشيا مع هذه النهضة العلمية المباركة التي ازدهرت في عهد ثورة ليبيا العظيمة،
فشكر الله للجميع، وجزاهم خيرا بما يسروا من النفع بهذا الكتاب، ووفقنا جميعا إلى خدمة لغتنا وديننا، وهدانا سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
صفحة ١٥
الدكتور يوسف حسن عمر مقدمة الرضى بسم الله الرحم الرحيم الحمد لله الذي جلت آلاؤه عن أن تحاط بعد، وتعالت كبرياؤه عن أن تشتمل بحد، تاهت في موامى معرفته سابلة الافهام، وغرقت في بحار عزته سابحة الاوهام، كل ما يخطر ببال ذوي الافكار فبمعزل عن حقيقة ملكوته، وجميع ما تعقد عليه ضمائر أولي الابصار فعلى خلاف ما ذاته المقدسة عليه من نعوت جبروته، وصلواته على خاتم أنبيائه، ومبلغ أنبائه، محمد بن عبد الله المبشر به قبل ميلاده، وعلى السادة الاطهار من عترته وأولاده.
صفحة ١٧
وبعد فقد طلب إلي بعض من أعتنى بصلاح حاله، وأسعفه بما تسعه قدرتي من مقترحات آماله، تعليق ما يجري مجرى الشرح على مقدمة ابن الحاجب عند قراءتها علي، فانتدبت له (1) مع عوز ما يحتاج إليه الغائص في هذا اللج، والسالك لمثل هذا الفج، من الفطنة الوقادة، والبصيرة النفادة، بذلا لمسئوله، وتحقيقا لمأموله، ثم اقتضى الحال بعد الشروع، التجاوز عن (2) الاصول إلى الفروع، فإن جاء مرضيا، فببركات الجناب المقدس الغروي (1)، صلوات الله على مشرفه، لاتفاقه فيه (2)، وإلا فمن قصور مؤلفه فيما ينتحيه، والله تعالى المؤمل لارشاد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، * * *
صفحة ١٨
الكلمة (1)
معناها.
صفحة ١٩
صلتها بالكلم، اشتقاقها قال ابن الحاجب: " كلمة لفظ وضع لمعنى مفرد "، قال الرضى: اعلم أن الكلم جنس الكلمة، مثل تمر، وتمرة، وليس المجرد من التاء من هذا النوع جمعا لذي التاء، كما يجئ تحقيقه في باب الجمع، بل هو جنس حقه أن يقع على القليل والكثير، كالعسل والماء، لكن الكلم لم يستعمل (2) إلا على ما فوق الاثنين، بخلاف نحو: تمر، وضرب، وقيل ان اشتقاق الكلمة، والكلام من الكلم، وهو الجرح، لتأثيرهما في النفس، وهو اشتاق بعيد (1).
وقد تطلق الكلمة مجازا على القصيدة، والجمل، يقال: كلمة شاعر، قال الله تعالى: " وتمت كلمة ربك الحسنى " (2).
واللفظ في الاصل مصدر، ثم استعمل بمعنى الملفوظ به، وهو المراد به هنا، كما استعمل القول بمعنى المقول، وهذا كما يقال: الدينار ضرب الامير، أي مضروبه.
والكلام بمعناه (3)، لكنه لم يوضع في الاصل مصدرا على الصحيح، إذ ليس على صيغة مصادر الافعال التي تنصبها على المصدر نحو كلمته كلاما، وتكلم تكلاما (4)، بل هو موضوع لجنس ما يتكلم به، سواء كان كلمة، على حرف كواو العطف أو على أكثر،
أو كان أكثر من كلمة، وسواء كان مهملا، أو، لا، (5) أما اطلاقه على المفردات فكقولك لمن تكلم بكلمة، كزيد، أو بكلمات غير مركبة تركيب الاعراب، كزيد، عمرو، بكر: هذا كلام غير مفيد، وأما اطلاقه على المهمل، فكقولك: تكلم فلان بكلام لا معنى له، فالقول، والكلام، واللفظ، من حيث أصل اللغة، بمعنى، يطلق على كل حرف: من حروف المعجم كان، أو من حروف المعاني، وعلى أكثر منه، مفيدا كان، أو، لا.
صفحة ٢٠
لكن القول اشتهر في المفيد، بخلاف اللفظ والكلام، واشتهر الكلام لغة في المركب من حرفين فصاعدا، واللفظ خاص بما يخرج من الفم من القول، فلا يقال: لفظ الله كما يقال: كلام الله وقوله، ثم، قد استعمل الكلام استعمال المصدر فقيل كلمته كلاما، كأعطى عطاء، مع أنه في الاصل لما يعطى،
صفحة ٢١
وهذا كما يحكى عنهم: عجبت من دهنك لحيتك بضم الدال بمعنى دهنك بفتحها، وقد اختص الكلام في اصطلاح النحاة بما سيجئ، والمقصود من قولهم وضع اللفظ: جعله أولا لمعنى من المعاني مع قصد أن يصير متواطئا عليه بين قوم، فلا يقال - إذا استعملت اللفظ بعد وضعه في المعنى الاول -: إنك واضعة، إذ ليس جعلا أولا،، بلى (1)، ولو جعلت اللفظ الموضوع، لمعنى آخر (2) مع قصد التواطؤ، قيل انك واضعه، كما إذا سميت بزيد (3) رجلا، ولا يقال لكل لفظة بدرت من شخص لمعنى: انها موضوعة له من دون اقتران قصد التواطؤ بها، ومحرفات العوام، على هذا، ليست ألفاظا موضوعة لعدم قصد المحرف الاول إلى التواطؤ، وعلى ما فسرنا الوضع لم يكن محتاجا إلى قوله " لمعنى "، لان الوضع لا يكون إلا لمعنى، إلا أن يفسر الوضع بصوغ اللفظ، مهملا كان ، أو، لا، ومع قصد التواطؤ أو، لا، فيحتاج إلى قوله " لمعنى " لكن ذلك على خلاف المشهور من اصطلاحهم، ومعنى اللفظ ما يعنى به: أي يراد، بمعنى المفعول، قوله " لمعنى مفرد " يعنى به المعنى الذي لا يدل جزء لفظ على جزئه، سواء كان لذلك المعنى جزء، نحو: معنى ضرب، الدال على المصدر والزمان، أو، لا جزء له كمعنى: ضرب ونصر، فالمعنى المركب على هذا، هو الذي يدل جزء لفظه على جزئه، نحو: ضرب زيد،
صفحة ٢٢
وعبد الله، إذا لم يكونا علمين، وأما مع العلمية فمعناهما مفرد، وكذا لفظهما، لان اللفظ المفرد: لفظ لا يدل جزؤه على جزء معناه، وهما كذلك، واللفظ المركب، الذي يدل جزؤه على جزء معناه، والمشهور في اصطلاح أهل المنطق، جعل المفرد والمركب صفة اللفظ، فيقال: اللفظ المفرد، واللفظ المركب، ولا ينبغي أن يخترع في الحدود ألفاظ، بل الواجب استعمال المشهور المتعارف منها فيها، لان الحد للتبيين، وليس له (1) أن يقول: إني أردت بالمعنى المفرد: المعنى الذي لا تركيب فيه، لان جميع الافعال - إذن (2) - تخرج عن حد الكلمة، ولو قال: الكلمة لفظ مفرد موضوع، سلم من هذا، ولم يرد عليه أيضا، الاعتراض بأن المركبات ليست بموضوعة، على ما يجئ (3) واحترز بقوله " لفظ " عن نحو الخط والعقد والنصبة والاشارة، فإنها ربما دلت بالوضع على معنى مفرد، ليست بكلمات.
ويجوز الاحتراز بالجنس أيضا، إذا كان أخص من الفصل بوجه، وهو ههنا كذلك لان الموضوع للمعنى المفرد قد يكون لفظا وقد لا يكون (1).
واحترز بقوله " وضع " عن لفظ دال على معنى مفرد بالطبع لا بالوضع كاح، الدال
على السعال، ونحو ذلك، وعن المحرف، وعن المهمل، لانه دال أيضا على معنى كحياة المتكلم به، ولكن عقلا لا وضعا..وبقوله " لمعنى " عما صيغ لا لمعنى كالمهملات " كلعم " ونحو من الهذيانات، وقد مر الكلام على هذا الاحتراز.
وبقوله " مفرد " عن لفظ وضع للمعنى المركب نحو: عبد الله، وضرب زيد غير علمين.
فإن قيل: ان التاء في لفظ الكلمة للوحدة، لان كلمة وكلما، كتمرة وتمر، واللام (2) فيه للجنس فيتنا قضان، لدلالة الجنس على الكثرة المناقضة للوحدة.
فالجواب: أن اللام في مثله ليس للجنس ولا للعهد، كما يجئ في باب لمعرفة، ولئن سلمنا ذلك، قلنا: إن الجنس على ضربين.
صفحة ٢٣
أحدهما: استغراق الجنس، وهو الذي يحسن فيه لفظة " كل " كقوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا " (3)، أي كل الانسان، وإلا، لم يجز الاستثناء، لانه (4) عند الجمهور من النحاة يخرج ما لولاه لوجب دخوله تحت المستثنى منه، وهذا الاستغراق مفيد للكثرة فيناقض الوحدة.
والثاني: ماهية الجنس من غير دلالة اللفظ على القلة ولا الكثرة، بل ذاك احتمال عقلي، كما في قوله تعالى: " لئن أكله الذئب " (1)، ولم يكن هناك ذئب معهود، ولم يرد استغراق
الجنس أيضا.
ومثله قولك: ادخل السوق، واشتر اللحم، وكل الخبز، فهذا النوع من الجنس لا يناقض الوحدة، إذ لا دلالة فيه على الكثرة.
والمقصود في هذا الموضع هو الثاني، أي ماهية الجنس من حيث هي هي، لان الحد إنما يذكر لبيان ماهية الشئ، لا لبيان استغراقه.
إن قيل: لم لم يقل " لفظة " ليوافق الخبر المبتدأ في التأنيث ؟ فالجواب أنه لا يجب توافقهما فيه إلا إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية، نحو: هند حسنة، أوفي حكمها، كالمنسوب، أما في الجوامد فيجوز (2)، نحو: هذه الدار مكان طيب، وزيد نسمة عجيبة.
وقوله " لفظ " ههنا، وإن كان بمعنى الصفة، أي ملفوظ بها، كما ذكرنا، إلا أن أصله مصدر، ويعتبر الاصل في مثله، نحو: امرأة صوم ورجلان صوم، ورجال صوم، فلا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع.
فإن قيل: كان ينبغي أن يقول " لفظة " ليخرج عنه الكلمتان، إذ هما لفظتان، وكذا الكلمات.
صفحة ٢٤
قلت: لا يخرج مثل ذلك بتاء الوحدة، لان مثل قولك: قالا، وقالوا، كارطى، وبرقع (1) لفظة واحدة، وكذا كل ما يتلفظ به مرة واحدة، مع أن كل واحد من الاولين كلمتان، بخلاف الثانيين.
إن قيل: هلا استغنى بقوله " وضع " عن قوله " مفرد " لان الواضع لم يضع إلا المفردات، أما المركبات فهي إلى المستعمل، بعد وضع المفردات، لا إلى الواضع.
فالجواب أنا لا نسلم أن المركب ليس بموضوع (2)، وبيانه أن الواضع إما أن يضع ألفاظا
معينة سماعية، وتلك هي التي تحتاج في معرفتها إلى علم اللغة.
وإما أن يضع قانونا كليا يعرف به الالفاظ فهي قياسية، وذلك القانون إما أن يعرف به المفردات القياسية، وذلك كما بين أن كل اسم فاعل من الثلاثي المجرد، على وزن فاعل، ومن باب أفعل، على وزن مفعل، وكذا حال اسم المفعول، والامر، والالة، والمصغر، والجمع، ونحو ذلك، وتحتاج في معرفتها إلى علم التصريف.
وإما أن يعرف به المركبات القياسية، وذلك كما بين مثلا، أن المضاف مقدم على المضاف إليه، والفعل على الفاعل، وغير ذلك من كيفية تركيب أجزاء الكلام، وتحتاج في معرفة بعضها إلى التصريف كالمنسوب، والفعل المضارع، وفي معرفة بعضها إلى غيره من علم النحو كما ذكرنا.
إن قيل: ان في قولك: مسلمان، ومسلمون، وبصري وجميع الافعال المضارعة، جزء لفظ كل واحد منها يدل على جزء معناه إذ الواو تدل على الجمعية، والالف على التثنية، والياء على النسبة، وحروف المضارعة، على معنى في المضارع وعلى حال الفاعل أيضا.
وكذا تاء التأنيث في " قائمة "، والتنوين، ولام التعريف، وألفا التأنيث، فيجب أن يكون لفظ كل واحد منها مركبا، وكذا المعنى فلا يكون كلمة، بل كلمتين (3).
صفحة ٢٥
فالجواب أن جميع ما ذكرت كلمتان، صارتا من شدة الامتزاج ككلمة واحدة، فأعرب المركب إعراب الكلمة، وذلك لعدم استقلال الحروف المتصلة في الكلم المذكورة، وكذلك الحركات الاعرابية.
ولمعاملتها معاملة الكلمة الواحدة سكن أول أجزاء الفعل في المضارع، وغير الاسم المنسوب إليه نحو: نمري وعلوي ووشوي ونحو ذلك، فتغيرت بالحرفين (1) بنية المنسوب
إليه والمضارع وصارتا من تمام بنية الكلمة.
وأما سكون لام الكلمة بلحوق التاء في نحو ضربت، فلا يوجب تغيير البينة، إذ لا تعتبر حركة اللام وسكونها في البنية، كما يجئ في أول التصريف إن شاء الله تعالى (2).
أما الفعل الماضي نحو ضرب ففيه نظر، لانه كلمة بلا خلاف، مع أن الحدث مدلول حروفه المترتبة، والاخبار عن حصول لذلك الحدث في الزمن الماضي، مدلول وزنه الطارئ على حروفه والوزن جزء اللفظ، إذ هو عبارة عن عدد الحروف مع مجموع الحركات والسكنات الموضوعة وضعا معينا.
والحركات مما يتلفظ به، فهو - إذن - كلمة مركبة من جزأين يدل كل واحد منهما على جزء معناه، وكذا نحو أسد، في جمع أسد، وكذا المصغر، ونحو رجال ومساجد، ونحو ضارب ومضرب، لان الدال على معنى التصغير والجمع والفاعل والمفعول والالة في الامثلة المذكورة: الحركات الطارئة مع الحرف الزائد، ولا يصح أن ندعي ههنا أن الوزن الطارئ كلمة صارت بالتركيب كجزء كلمة، كما ادعينا في الكلم المتقدمة، وكما يصح أن ندعي في الحركات الاعرابية، فالاعتراض بهذه الكلم اعتراض وارد، إلا أن نقيد تفسير اللفظ المركب فنقول: هو ما يدل جزؤه على جزء معناه وأحد الجزأين متعقب للاخر (3) وفي هذه الكلم المذكورة: الجزآن مسموعان معا.
صفحة ٢٦