ـ[شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول]ـ
المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي
http://alhazme.net
[الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - ٢٣ درسا]
صفحة غير معروفة
عناصر الدرس
* مقدمة الكتاب.
* مقدمة العلم.
الدرس الأول
من يهده الله فلا مُضل له من يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا، أما بعد، كما سمعتم نشرع - بإذن الله تعالى - في هذا اليوم الثامن عشرة من الشهر الخامس من عام ست وعشرين وأربعمائة وألف، فيما عُنون له بالدورة العلمية الصيفية الأولى. كما سبقنا مراد فيما إذا أُعلن لي على جهة الخصوص أنه دورة مراد به تكثيف الدروس فقط وليس المراد به الاستعجال والاختصار المخل بالشرح، لأن الدورات تختلف من مفهوم بعض طلابنا ومفهوم آخرين، المراد أن في هذه الإجازة الثلاثة أشهر أو أقل كانت الفكرة والاقتراح أننا نجعل بدل الدروس التي تكون في أيام السنة دروس مستقلة بالإجازة الصيفية، والجدول كما رأيتم في خمسة متون في خمسة فنون في أصول الفقه والنحو وهذا النحو الأصل أنه مُقام في هذا المسجد لكن حُوِّل إلى مسجد الملك عبد العزيز في ضمن الدورة يعني الجدول لا يُراعى فيه نظم الأجرومية، إنما يكون بعد المغرب اليوم في مسجد الملك عبد العزيز ضمن الدورة العلمية الصيفية هناك، والصرف أيضًا متن البنا والبيقونية ومنظومة الزمزمي في التفسير، هذه خمسة فنون خمسة فنون عُنوِن لها بخمسة متون، وهذا أريد أن أشير به دائمًا إلى أن طالب العلم إنما عليه أن يتوسع في الفنون ولا يختص في دراسته في طلب العلم الشرعي بفن دون آخر، المشهور الآن أن البعض من طلاب العلم يظن أنه لابد ويجب أن يتخصص ابتداءًا في طلب العلم وهذا مفهوم خاطئ مفهوم فاسد، ولذلك لا يُعرف عن أهل العلم الكبار في زماننا هذا وعن المتقدمين أنهم يعنون بالتخصص هذا المفهوم الحادث أنهم يعنون بالتخصص هذا المفهوم الحادث وإنما مرادهم بالتخصص فيما سبق أن طالب العلم يدرس من كل علم نحسلة، فيأخذ من علوم العربية ما يحتاجه ويأخذ من علم أصول الفقه ما يحتاجه ولا يتوسع كأنه متخصص في هذه الفنون بحيث يدرس كل صغيرة وكبيرة ويمر على كل الكتب والشروع الحاشدة وإنما يأخذ زبدة خالصة من علوم اللغة ومن علم أصول الفقه ومن المصطلح وفن الصرف والاشتقاق والعروض والمنطق إلى آخره، يأخذ من كل علم من هذه الفنون خلاصته ثم بعد ذلك إذا نظر في علم المقاصد أو الذي ينبغي أن يعتني به طالب العلم وأن يتخصص فيه بالمفهوم السابق أنه إذا أخذ خلاصة من علوم الآلة التي تُسمى علوم الوسيلة أو علوم الوسائل إذا أخذ الزبدة والخلاصة منها يتخصص في فن من فنون مقاصد الشريعة كالحديث والفقه والتفسير.
1 / 1
يعني علم الوحيين الكتاب والسنة هما علم المقاصد وطالب العلم مغبون إذا تخصص في غير هذين الفنين الكتاب والسنة، أما التخصص في أصول الفقه على حده أو اللغة على حده فهذا قد إن لم يُفتَح عليه في علم المقاصد فيكون قد عرف قدرهم فتخصص في فن من فنون الآلة وإلا اسمها فنون الآلة علم الوسيلة علوم آلة بمعنى أنها وسيلة إلى غيرها، حينئذ لا يعتكف عليها طالب العلم، ولا يفني عمره في فن من هذه الفنون بل يأخذ منا يحتاجه، ولذلك أشيد بمثل طرح هذه المتون المتنوعة إلى هذا المقصد، يعني طالب العلم يتنوع في كل فن ثم بعد ذلك يتخصص بالمفهوم الذي عُرِف عند العلماء، أما المفهوم الخاص الآن للتخصص فهو أنه يعتني منذ الطلب لا يقرأ علوم اللغة بل لا يحفظ القرآن وقد يُزهِد في حفظ القرآن كما هو مشهور الآن لا يقرأ في علوم الآلة لا يقرأ علوم اللغة لا يقرأ في أصول الفقه، ثم بعد ذلك يتخصص في الفقه أو يتخصص في الحديث أو يتخصص في التفسير، أنَّى له أن يجيد فنًا من هذه الفنون لأنه كمن يقطع اللحم بغير سكين، الذي يريد أن يتخصص في الفقه دون دراية لعلوم الآلة بأسرها كالذي يسعى ليقطع اللحم بغير سكين، لماذا؟ لأنه أتي البيوت من غير أبوابها حينئذ يتعين على طالب العلم أن يأخذ من كل علم أحسنه وأن يحفظ في كل فن من فنون الآلة متنًا متوسطًا قد يكون هو المتن الأول والأخير عنده يختلف من طالب إلى طالب من فهم إلى فهم من حفظ إلى حفظ وقد يتلقى في كل فن على ما ذكره أهل العلم في تلك الفنون، فأصول الفقه يأخذ مثلًا الورقات، ثم إن أخذ مختصرًا يكون وسطًا بين المراقي مثلًا والورقات أو الكوكب الساطع والورقات كهذا الكتاب فهذا حسن، وإذا انتقل مباشرة فأيضًا لا بأس، ولا نريد أن نُطيل في الكلام في المنهجية وإن اقترح البعض أن يكون الحديث اليوم عن المنهجية في طلب العلم، حقيقة أنا لا أحب الكلام في هذا الموضوع على جهة الخصوص، لماذا؟ لأن الكلام كَثر في مثل هذه المسألة وصار ديدن بعض الطلاب كأنه يتلذذ بسماعه للمنهجية في طلب العلم، كأنه يريد ماذا أحفظ ثم ما هي الشروع على المتن الأول ثم يسأل عن المتن المتوسط ثم المتن المُنتهي ويسمع كلامًا كثيرًا لا أول له ولا آخر، ثم بعد ذلك يخرج ويصير الكلام أو المحاضرة أو الحديث كأنه نسيًا منسيا، ونحن نريد أن نعمل ولا أن نتكلم كثيرًا ولذلك من أراد المنهجية أقول له هذا الجدول بين يديك، إن كان عندك عزيمة وعندك إرادة قوية فجزاك الله خير فاصبر على ما قد تلاقيه من متاعب، هذا الكتاب الأول وهو كتاب
1 / 2
(قواعد الأصول ومعاقد الفصول) مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل تأليف صفي الدين عبد المؤمن بن كمال الدين عبد الحق البغدادي الحنبلي، هذا الكتاب يُعتبر مختصر لماذا؟ لأنه كما ذكر هو المُصنِّف كما سيأتي في المقدمة أنه مختصر تحقيق الأمل. إذًا هو كتاب ثم اختصره في هذه النبذة المختصرة، سيأتي الحديث عنه في ضمن الكتاب لكن نُترجم للمُصنف ترجمة مختصرة نقول اسمه (صفي الدين عبد المؤمن بن كمال الدين عبد الحق بن شمائل القطيعي البغدادي الحنبلي الفقيه) إذا هو في مذهب الحنابلة لأن المُصنف الحنبلي، والتصنيف هذا في مذهب الحنابلة، صفي الدين وقال كمال الدين هذه الألفاظ دخيلة على الإسلام والمسلم لم تُعرَف إلا عن طريق الفرس ونحوهم ممن دخلوا في الإسلام وإلا ما كان الصحابة يعرفون مثل هذه الإطلاقات وإنما دخلت بعد ذلك ركن الدين وشيخ الإسلام وصفي الدين وكمال الدين كل هذه الألفاظ دخيلة، لذلك الأولى تركها بل تُعتبر من المكروهات، مولده في جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وخمسين وستمائة من الهجرة، نشأ كما نشأ غيره من أهل العلم في بيت علم ودين يعني كان أبوه كما قيل كان خطيبًا لجامع ما، تفقه على علماء عصره، حيث تفقه على ابن أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري ولازمه حتى برع وأفتى، وإلقاء مثل هذه التراجم ليس المراد تجادل بسيرة العلماء، لا المراد أن يقتني أو يقتفي طالب العلم سير العلماء، ولذلك كما يُقال من أنفع ما يُعين طالب العلم بعد الإخلاص وتوفيق الله ﷿ في طلب العلم هو الوقوف على تراجم العلماء، من أعز ما يمكن يكون دافعًا لطالب العلم ورافعًا للهمة هو الوقوف على تراجم العلماء، وليس المراد أن يحفظ ما جرى لهم حفظ كذا وحفظ كذا، المراد أن يقتفي أثرهم، هنا قال: ولازمه، إذًا العلم يحتاج إلى ملازمة إلى صبر إلى جد إلى اجتهاد، ولازمه حتى برع وأفتى، وأقبل على العلم بكليته، يعني لم يجعل للراحة وقتًا أكبر من العلم بل يكون طالب العلم ديدنه صباح مساء يجري في دمه ذكر العلم ومسائل العلم والبحث في العلم، وهذا العلم إذا أعطيته - كما قيل – إذا أعطيته كلك أعطاه بعضه، كلك يعني وقتك أربع وعشرين ساعة في اليوم يكون همك هو العلم الشرعي بحثًا ودراسة وتصنيفًا وتأليفًا ومذاكرة وحفظًا ومراجعة إلى آخره، هذه إن أعطيته كلك أعطاك بعضه، فكيف إذا أعطيته بعض البعض، لن تنال شيئًا، وأقبل على العلم بكليته، لازمه مطالعة وكتابة وتصنيفًا إلى حين وفاته، لذلك طالب العلم لا يكتفي ويقف عند حد ما، وهذا من الحرمان أن يظن طالب العلم أنه قد وصل إلى مرحلة أنه لا يحتاج إلى حضور درس ما أو إلى استفتاء لأهل العلم وإنما يكون طالب علم كما قال الإمام أحمد لما سُئل عن جريه وراء مُحدِث ما قال: من المحبرة إلى المقبرة، يعني ملازم لطلب العلم من المحبرة إلى المقبرة، يعني لا ينفك إلا ولا يقف دونه إلا الموت.
1 / 3
قام برحلات إلى الشام والتقى بابن تيمية – رحمه الله تعالى – وأجاز للحافظ بن رجب رحمه الله تعالى، إذا هو يُعد من شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى، قال عنه الحافظ بن رجب كان إمامًا فاضلا ذا مروءة وأخلاق حسنة، إمامًا: إذًا وصفه ابن رجب بأنه إمام، وابن رجب هو إمام أيضًا ﵀، فإذا وصف غيره بأنه إمام ليس كوصف معاصر الآن لغيره بأنه إمام، ذا مروءة وأخلاق حسنة وحُسن هيئة وشكل عظيم الحُرمة شريف النفس منفردًا في بيته، لماذا؟ لأنه أعطى العلم كله، ولذلك قيل العلم والخلطة لا يجتمعان، من أراد العلم فليطلق الخلطة ثلاثًا. شريف النفس منفردًا في بيته لا يخشى الأكابر ولا يُخالطهم ولا يزاحمهم على المناصب، بل الأكابر يترددون إليه. وقال عنه ابن حجر رحمه الله تعالى في الدرر الكامنة: وكان زاهدا خَيرًا ذا مروءة وفتوة وتواضع ومحاسن كثيرة، طارحًا للتكلف على طريقة السلف مُحبًا للخمول يعني ليس محبًا للشهرة والتصدر، وكان شيخ العراق على الإطلاق، تُوفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة عاشر صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة في بغداد. كتابه القواعد هذا ذكر عنه ابن بدران رحمه الله تعالى أنه من أنفع المختصرات في أصول الفقه ولذلك قال أنه مختصر مفيد يعني لما ذكر المصنفات والمختصرات في أصول الفقه عند الحنابلة ذكر القواعد هذا وقال إنه مختصر مفيد، وقال عنه جمال الدين القاسمي: وما وقفنا عليه حتى رأيناه من أنفس الآثار الأصولية وأعجبها سبكًا وألطفها جمعًا للأقوال وإيجازا في المقال. إذا هذان عالمان أثنيا على الكتاب. ومن ميزة الكتاب أنه فيه سهولة في العبارة، يعني عباراته سهلة لمن اطلع ووقف عليه مع الإيجاز، ولذلك قيل أنه مختصر من الروضة، وهذا فيه خلاف هل قواعد الكتاب مختصرة من الروضة أم لا؟ بعض المعاصرين يرى أنه مختصر من الروضة والظاهر أنه ليس مختصرًا من الروضة لأن المصنف نفسه يقول مختصر وتحقيق الأمل، فكيف هو يقول عن كتابه بأنه مختصر كتاب له ثم يُقال عنه أنه مختصر من الروضة، نعم قد يكون متأثرًا بالروضة، لكن أنه مختصر منها هذا ليس بسديد. أغفل في الغالب ما لا تعلقًا للأصول به من مباحث علم الكلام وآراء المتكلمين، أصول الفقه مما جعله من العلوم الصعبة المعقدة أنه محشو به كلام المتكلمين، ويجري في كثير من المصنفات ذكر مقدمات منطقية ونحوها بل تراه من أوله إلى آخره فيه من الألفاظ والمصطلحات المنطقية التي هي مبنية على علم الكلام وآراء المتكلمين، هنا المُصنف لم يذكر كثيرًا من هذه الآراء، لذلك جاءت عبارته سهلة، إذا سبب سهولة عبارة المصنف أنه أغفل كثيرًا من عبارات وآراء المتكلمين، فإذا سلم الكتاب من هذه العبارات وهذه الآراء رجع إلى أصله وهو السهولة في العبارة، ولذلك لم يذكر مقدمة منطقية وكثير من كتب الأصول المختصرة التي يعتبر من المتوسطات فما كان أعلى منها كثير منها يجعل المقدمة في بيان التصور والعلم والظن والشك والوهم إلى غير ذلك والدليل والنظر والفكر، وهذا المُصنف هنا لم يجعل مقدمة منطقية في ذلك، بل الورقات لم تسلم من هذا ذكر حد العلم والظن والشك إلى آخره وهذا يدل على أنه متأثر بطريقة أهل الكلام.
1 / 4
وهنا المُصنف لا، إنما جرد كتابه عن آراء المتكلمين وعلم الكلام.
قدَّم وأخَّر في الترتيب على غيره النمط المحفوظ في تصنيف كتب الأصول وخاصة الحنابلة، يعني هناك ترتيب معين يزد عليه الأصوليون كما أن للنحاة ترتيب معين لم يزد عليه النحاة، هنا خالف قدَّم وأخَّر وليس هذا بعيب، ليس الترتيب مسألة توقيفية لا يجوز مخالفتها إنما ما رآه المُصنف هو الذي يعمل به. عنايته بالتعريفات والتقسيمات وهذا مما يُعين على فهم باب كله من أوله لآخره، إذا فهم طالب العلم حدود الباب وإذا كان قابلًا للتقسيم فكان مُقسمًا حينئذ يكون أسهل في الفهم والحفظ، هذا كما ترون أن الكتاب مطبوع طبعة جامعة أم القرى بتحقيق دكتور علي عباس الحكم هذا أجود ما وُجد من نُسخ هذا الكتاب وإلا طُبع قديما وعلق عليه الشيخ جمال الدين القاسمي وكذلك طبعة علق عليها الشيخ أحمد محمد شاكر، وهذه طبعة تعتبر متأخرة وهي مُحقَّقة تحقيقًا على طريقة المعاصرين. وهذا الكتاب من جهة الشروح لم أقف إلا على شرحين اثنين للعالمين معاصرين، شرحه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى وهو موجود في أشرطة في أربعة عشرة شريطًا ولم يُتمه إنما وقف على باب القياس كان الشيخ ما ارتضي الكتاب من جهة أنه لم يسلم من بعض التعبيرات والاصطلاحات المنطقية، فقال ليتني ما بدأت به، ثم أوقف الكتاب ولم يُدرسه. كذلك أيضًا شُرِح من قبل الشيخ عبد الله بن فوزان الفوزان وهو موجود مطبوع في مجلدين، الأصل أنه في أشرطة ثم فُرغَت. إذا عرفنا الآن مزايا هذا الكتاب ولما اُختير فنبدأ إن شاء الله مستعينين بالله ﷿ في دراسته والطرقة التي سنسير عليها كما هو معلوم هي خمسة أسابيع، يعني خمسة وعشرون يومًا. وعليه لابد أن يكون الكتاب أو هذه الأيام مستوعبة لهذا الكتاب وكما ذكرت بالقيد السابق ليس المراد الاختصار المُخل وإنما نجري على حل عبارة المُصنف، يعني نقف على مراد المُصنف من كل كلمة يريدها ولو كثر الكلام في بيان مراده، ولا نذكر خلافًا إلا إذا كان القول الذي ذكره المُصنف مُخالفًا للقول الراجح، فإذا القول الذي ذكره المُصنف هو الصواب حينئذ نُبين مقصوده من المسألة يعني تصور المسألة ودليلها ووجه الاستنباط فقط، ولا نذكر أقوال للأصوليين، وبهذا إن شاء الله نكون قد نأتي على الكتاب كله من أوله إلى آخره.
1 / 5
فما يحتاج إلى وقوف وقفنا معه، وما لا يحتاج نبينه ونمر عليه كما يُقال مرور الكرام، وثم مسائل لا يمكن استيعابها في كتب الأصول، وهذا مما يجعل أيضًا أصول الفقه من الكتب أو من الفنون التي تعد من العلوم الصعبة على طلاب العلم، أنه مُركب من عدة فنون يدخل فيه مباحث في اللغة يدخل فيه مباحث من المنطق، مقدمة منطقية ومقدمة لغوية هذا المشهور عندهم، والمقدمة المنطقية هذه لم يذكرها المُصنف فأراحنا منها، وإلا لو ذكرها لاحتجنا إلى أن نُبين أصول المنطق من أوله إلى آخره، ولذلك لو ذُكر علم المنطق في هذا الكتاب أو في غيره من الكتب حينئذ يحتاج الطالب إلى أن يدرس المنطق في ضمن أصول الفقه، فإذا كان أصول الفقه نفسه فيه نوع صعوبة والمنطق في نفسه فيه نوع صعوبة أو هو صعب، فحينئذ دراسة أصول الفقه وفي ضمنه علم صعب يجعل ماذا الصعب صعبًا يزيده، ولذلك من الحسن من طالب العلم أن يكون بصيرًا فيعرف ما الذي يتألف منه أصول الفقه، فيعلم أنه مُستمد من علوم اللغة فيدرس كل فن فنون اللغة، ثم بعد ذلك يدرس أصول الفقه، لأنه ستأتيه مباحث حد الكلام حد الكلمة تعريف الكلام يأتي الاشتقاق تأتي الحقيقة والمجاز يأتي المعرب وليس بمُعرب، هذه كلها مباحث لغوية وليست بمباحث أصولية، وإنما تُذكر في أصول الفقه لأن من مبناة أنه مستمد من علم اللغة إذا كان مستمدًا من علم اللغة فحينذ لابد أن يُذكر طرف من اللغة العربية مما يحتاجه الأصولي في هذا الفن، فإذا وُجد في كتاب ما قد تجد مثلًا مجلدًا كاملًا فيه مطولات كله في اللغة العربية حينئذ كيف يفهم طالب العلم أصول الفقه إذا لم يُفرد هذا الفن بدراسة مستقلة، ولذلك الأولى لطالب العلم ألا يتعمق في دراسة المسائل الدخيلة على الفن، وأعني بالمسائل الدخيلة أنها ليست من فن أصول الفقه أصالة وإن بُني عليها وإنما يأخذ كل فن على حده فيدرس النحو على حده فإذا مرت به مسائل النحو في أصول الفقه لا يقف معها كثيرا، وإنما ينظر إلى رأي الأصوليين فحسب ما اختيارهم ما ترجيحهم، هل اصطلاحهم يخالف اصطلاح أهل اللغة أم لا فقط، أما أن يقف ويدرس النحو ويدرس الحقيقة والمجاز والاستعارة والكناية في أصول الفقه نقول أن هذا لا يستوعبه أصول الفقه على وجهه، بل ربما قد يرجع من حيث بدأ ولا يُتم الكتاب. لذلك المباحث التي ستأتينا في أصول الفقه هنا في اللغة وكذا لن نقف معها كثيرًا وإنما نُبين مراد المُصنف ونسير، وبهذه الطريقة إن شاء الله نأتي على الكتاب من أوله إلى آخره.
بسم الله الرحمن الرحيم
" أحمد الله على إحسانه وأفضاله كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وأصلي وأسلم على نبيه المكمل
بإرساله، المؤيد في أقواله وأفعاله، وعلى جميع صحبه وآله. وبعد:
فهذه (قواعد الأصول ومعاقد الفصول) من كتابي المسمى بـ (تحقيق الأمل) مجردة من الدلائل، من غير إخلال بشيء من المسائل، تذكرة للطالب المستبين، وتبصرة للراغب المستعين، وبالله أستعين، وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل المعين."
1 / 6
- قال المُصنف رحمه الله تعالى بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، إذا بدأ المُصنف رحمه الله تعالى ابتداءًا حقيقيًا بالبسملة وهذا لأمور، يعني لماذا بدا بالبسملة قل لأمور أولا تأسيًا بالكتاب العزيز، لأن أول القرآن أول ما يُقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين). ثانيًا: تأسيًا بالنبي ﷺ المراد به السنة الفعلية حيث كان إذا أرسل أو كتب كتابًا إلى ملك ما قال (بسم الله الرحمن الرحيم) كما جاء في صحيح البخاري في أوله (بسم الله الرحمن الرحيم إلى هرقل عظيم الروم) إذًا بسمل النبي ﷺ وهذه سنة فعلية، ثالثًا اقتداءًا بالأئمة المُصنفين، جرت عادة العلماء أنهم إذا كتبوا كتابا ما أو شرحوا أنهم يقولوا بسم الله الرحمن الرحيم، ولذلك قال ابن حجر - رحمه الله تعالى – " اتفق عمل الأئمة المصنفين على أنهم يفتتحون كتب العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل " إذا هو إجماع عمل من العلماء إذا أرادوا أن يشرحوا شرحا أو يؤلفوا كتاب يقولوا بسم الله الرحمن الرحيم. رابعًا: تبركًا بالتسمية، لأن بسم الله معناها أستعين بالله وأتبرك به، وحينئذ يكون المُبسمل طالبًا لتوفيق الله ﷿ ومعونته فيما جعل البسملة مبدأ له، هذه أربعة أمور نقول جعلت المصنف كغيره من العلماء، وأما حديث كما يزيده البعض عمل بحديث كل أمر ذي باديء لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو ابتر هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم ومُرجَح أنه حديث ضعيف. ولذلك نقول السنة الفعلية ولا نقول السنة القولية لأنها لم تثبت عن النبي ﷺ، بسم الرحمن الرحيم: هذا من حيث إثبات هذه البسملة، وأما من حيث مفرداتها، هذا لا يتعلق به بحث في أصول الفقه فنتجاوزه، سيأتينا إن شاء الله في شرح الأجرومية ما يتعلق بها من جهة العراق ومعنى المفردات.
(بسم الله الرحمن الرحيم) أهم ما يلفت إليه طالب العلم نظره في هذه البسملة أن الإضافة هنا تفيد العموم وهذا الذي يتعلق بأصول الفقه، (بسم الله) بسم هذا نكرة أُضيف إلى معرفة بل إلى أعرف المعارف وهو لفظ الجلالة الله، الاسم الأعظم كما قيل وعليه الجمهور، (بسم الله) أي بكل اسم هو لله سمى به نفسه أو أنزله في كتابه أو علمه أحد من خلقه أو استأثر به في علم الغيب عنده. إذًا (بسم الله) إذا قيلت بعد الاستعانة أو لتبرك مع المصاحبة إذا يستعين المُبسمل بماذا؟ بكل اسم هو لله بكل أسماء الله ﷿، التي علمها والتي لم يعلمها يعني المخلوق.
1 / 7
قال (أحمد لله) إذا بعد البسمة ثنى بالحمدلة، وهذا أيضًا نقول تأسيًا بالكتاب العزيز لأنه وراء البسملة في سورة الفاتحة وهو أول الكتاب (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هذا يسمى ابتداءًا إضافيًا عند أهل العلم، والابتداء بالبسملة يسمى ابتداءًا حقيقيًا، والابتداء الحقيقي هو الذي لم يُسبق بشيء أبدًا، والابتداء الإضافي هو الذي لم يُسبق بشيء أبدًا أو سُبق بشيء من غير المقصود، وهنا سُبق (أحمد الله) بالبسملة، لكن هل هي من المقصود الذي صنَّف المُصنف كتابًا لأجله؟ الجواب لا، حينئذ يكون الابتداء بالبسملة ابتداءًا حقيقًا إضافيًا، والابتداء بالحمدلة ابتداءًا إضافيًا لا حقيقًا، فكل ابتداء حقيقي إضافي ولا عكس، (أحمد الله) ما المراد بالحمد؟ نقول الحمد على الأصح، والأولى أن يُحد بما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى – أنه ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، وإن كان المشهور أنه في اللغة تناوب الجميل على الجميل الاختياري على جهة التبجيل والتعظيم وأنه في الاصطلاح فعل يُنبئ عن تعظيم المُنعم بسبب كونه مُنعما على حامده أو غيره والكلام على هذين التعريفين يطول، والفرق بين الحمد والشكر أيضًا يطول، وليس المقام مقام تفصيل. (أحمد الله) هنا أتي بالجملة الفعلية ولم يأتي بالجملة الاسمية ومعلوم عن البيانيين أن الجملة الاسمية تدل على الثبات والدوام على الثبوت والدوام، والجملة الفعلية تدل على التجدد والاستمرار، عدل عن الجملة الاسمية فإن كانت أولى لنكت والمفضول قد يُعدَل إليه بنكتة فتُصيره أولى من الفاضل، وهذا حتى في العبادات، قد يكون الشيء مفضولًا ولكن يقترن به ما يكون في حق الشخص جاعلًا له أولى من الفاضل، وبذلك الإنسان مثلًا السنن الرواتب نقول الأفضل أن يصلي في بيته أليس كذلك؟ لكن لو صلى بيته قد يكون القلب مشغولًا ولو صلى في المسجد قد يكون أخشى وأقنع، حينئذ يكون في حق هذا الشخص وليس تقعيدًا عامًا يكون في حقه صلاة النافلة في المسجد أولى من صلاته في بيته، إذا قد يصير المفضول فاضلًا هنا الجملة الاسمية هي الأولى، ولكن عُدل للجملة الفعلية للدلالة على التجدد والثبوت، وهنا قد عُلق الحمد على الإحسان والإحسان من الرب ﷿ على العبد مُتجدد ومُستمر، يعني يكون ثم يكون ثم يكون، يعني يوجد ثم يوجد ثم يوجد، وليس هو إحسان واحد مستمر ولا ينقطع ولا يتلوه إحسان آخر، ولذلك لما كانت النِعم مُتجددة في حق العبد والجملة الفعلية تدل على التجدد، ناسب أنه يأتي بالجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث. فالحمد يُوجد كلما وُجدت النِعم، لما كانت النِعم متوالية متجددة تكون ثم تكون ناسبه أن يأتي بجملة دالة على الحدوث والتجدد، إذا كلما تجددت النعمة وُجد لها حمد وهذا يدل عليه الجملة الفعلية. ولابد من القول بالتفريق بين الجملة الفعلية والجملة الاسمية وخاصة في هذا الموقع، فحينئذ نقول الجملة الاسمية تدل على ماذا؟ تدل على الثبوت، فإذا قال
1 / 8
(الحمد لله) نقول الحمد ثابت ومستمر، ولماذا أتى بالجملة في مثل هذا التركيب في الجملة الاسمية؟ نقول لأنه علَّق الحمد بصفات الرب بذات الرب ﷿ وصفاته، فلما كانت ذاته مستمرة ﷿ ناسب أن يأتي بحمد دال على الاستمرار، فإذا قال (أحمد الله على إحسانه وإفضاله) علَّق الحمد هنا على الإحسان والإفضال وهو مُتجدد يوجد بعد أن لم يكون، فحينئذ يناسبه أن يأتي بجملة دالة على التجدد والحدوث، ولذلك جاء الحديث " إن الحمد لله نحمده " حمد بماذا؟ بجملتين بالجملة الاسمية والجملة الفعلية.
(أحمد الله على إحسانه) من المشهور عند أهل العلم أن الحمد مُعلق بلفظ الجلالة ولا يُقال (أحمد الرحمن) أو (أحمد السميع البصير) لماذا؟ لأن اسم الجلالة الله ﷿ هذا جامع لجميع معاني الأسماء والصفات، فكل معنى دل عليه اسم غير لفظ الجلالة فهو داخل في (الله)، ولذلك الجمهور على أنه الاسم الأعظم.
(أحمد الله على إحسانه وإفضاله): إحسانه وإفاضله مصدران، أحسن يُحسن إحسانًا، وأفضل يُفضل إفضالًا، قيل متقاربان، يعني معنى الإحسان متقارب لمعنى الإفضال، وقد يُقال الإحسان مُجردًا إسداء المعروف، والإفضال زيادة على ذلك، وقال بعضهم الإحسان ضد الإساءة، أحسن وأساء إذا هما ضدان، والإحسان قد يكون في الإنعام على الغير على الآخرين ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ القصص٧٧، وقد يكون الإحسان يعني يُطلق ويُراد به إتمام الفعل وإحسان الفعل في نفس الفعل دون تعد إلى آخر، ومنه قوله تعالى ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ السجدة٧.
1 / 9
(كما ينبغي لكرم وجهه) يعني أحمد الله مثل الحمد الذي ينبغي، (ما) هنا بمعنى الذي اسم موصول، (ينبغي) بمعنى يليق، وهل يُمكن أن يحمد الله عبد بما يليق بالرب ﷿؟ الجواب لا، حينئذ نقول هذا الحمد الذي شُبِه بما يليق بالرب ﷾ على جهة الإجمال لا على جهة التفصيل، وإلا فعلى جهة التفصيل هذا متعذر أن يأتي به بشر ولو كان نبيًا، ولذلك جاء في الحديث " لا أُحصي ثناءًا عليك أنت كما أثنيت على نفسك "، (لكرم وجهه) ولا شك فيه كرم وجه الرب ﷿، قال تعالى ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ الرحمن٢٧، (وعز جلاله) كما ينبغي لكرم وجهه، ولو قيل لكمال وجهه لما بَعُد، ولذلك هذه عبارة الشافعي في الرسالة، (أحمد الله كما ينبغي لكمال وجهه وعز جلاله) الجلال هو العظمة، والعز هو القوة الله والغلبة، معلوم أن العزة صفة من صفات الرب ﷿ الدال على كمال قهره وسلطانه، (وأصلي) إذًا حمد الرب ثم قال (وأصلي)، لماذا حمد الرب؟ نقول كما قلنا في البسملة أنه اقتداء بالكتاب العزيز وتباعًا لسنة النبي ﷺ الفعليه لأنه إذا خطب أو قال في خِطبة النكاح (إن الحمد لله) وهذه سنة فعلية لأنه لم يأمر بها، وأما حديث (كل أمر ذي بادئ لا يبدئ فيه بالحمد لله .. إلى آخره) فهو حديث ضعيف. لذلك ذكر بعضهم ويُنسب للشافعي أنه قال " يُستحب البداءة بالحمدلة لكل مُزوِج ومُتزوِج ودارس ومُدرس ومُعلم وخاطب وخطيب وبين يدي سائر الأمور المهمة) اذًا هو سنة مُطلقة على جهة الاستحباب، وإن كان بعضهم يقول يُستحب فيما لم يرد فيه نص وإذا ورد فيه نص يقول فيه يُسن. (وأصلي على نبيه) يعني بعد أن حمد الله وأثنى عليه صلى على النبي ﷺ. (وأصلي) هذه جملة فعلية ويعبر عنها أهل البيان بأنها خبرية اللفظة إنشائية المعنى، وهي معطوفة على قوله (أحمد الله) مما يدل على أن المراد بـ (أحمد الله) أنها جملة خبرية اللفظة إنشائية المعنى يعني المراد بها طلب الحمد والمراد بـ (أصلي) طلب الصلاة، (على نبيه) الصلاة معروفة التي قال ابن القيم - رحمه الله تعالى – أنها ثناءه صلاة الله على عبده ثناءه على عبده في الملأ الأعلى ومن الملائكة والآدميين الدعاء والاستغفار، (وأصلي على نبيه) لم يقل وأسلم وهذه (وأسلم) زيادة من المحقق غير موجودة في المخطوطات (وأصلي على نبيه) نقول أتى بالصلاة دون السلام، وإن كان المشهور عند المتأخرين أنه يُكرَه إفراد الصلاة عن السلام كما يُكره إفراد السلام عن الصلاة، يعني لا تقل اللهم صل على محمد فقط ولا تقل وسلم، ولا يصح اللهم سلم ولا تقل صل على محمد، لماذا؟ قالوا: لقوله جل وعلا ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب٥٦، فقرن بينهما الرب جل وعلا، حينئذ إفراد الصلاة دون السلام وإفراد السلام دون الصلاة هذا لا يُعد ممتثلًا للأمر، لأنه قال ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا﴾ وهذه حجة كثير من المتأخرين، ونقول والصواب لا يُكرَه إفراد الصلاة عن السلام والعكس.
1 / 10
وأما الاستدلال بالآية نقول ذلك كقوله تعالى ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ قد تجب الصلاة ولا تجب الزكاة وقد تجب الزكاة ولا تجب الصلاة، والاستدلال بها استدلال بدلالة الاقتران، وهذه دلالة ضعيفة عند الأصوليين إن جاء حديث عنها بينَّاها، إذا (وأصلي) ولم يقل (وأسلم) هل فيه كراهة؟ الجواب لا، ولذلك الإمام مسلم - رحمه الله تعالى – بل والشافعي في الرسالة أنهم صلوا على النبي ﷺ ولم يسلموا والدال على أن ما ذكره كثير من الشافعية المتأخرين نسبة للشافعي بأنه كره الصلاة دون السلام أو إفراد السلام دون الصلاة مع أنه صلى ولم يُسلم في مُفتتح الرسالة، والقول هذا ليس بسديد.
1 / 11
(على نبيه) إذا أُطلق النبي في مثل هذا الترتيب نقول المراد به نبينا محمد ﷺ، محمد بن عبد الله وقد جُعل على نبيه كما جُعل على الرسول إذا أُطلق جُعل علمًا بالغلبة بحيث إذا أُطلق صرف على النبي ﷺ محمد بن عبد الله، وهذا واضح علم بالغلبة، وقد يصير علمًا بالغلبة مضاف له مصحوب (ال) كالعقبة، الرسول: هذا يصدق على موسي ﵇ وقد يصدق على عيسى ﵇ ويصدق على غيره من الرسل، لكن إذا قيل في مثل هذا الترتيب ممن هو من أمة محمد ﷺ نقول هذا صار علمًا بالغلبة. (على نبيه المُكَمَّل بإرساله): المُكَمَّل هذا يدل على ماذا؟ يدل على أنه كامل في نفسه وزادته الرسالة كمالًا على كماله، وهو كذلك امتثالًا لقوله تعالى ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ الأنعام١٢٤، المُكَمَّل بإرساله، المُؤيَّد في أقواله) المُؤيَّد يعني المُقوَّى والمُثبَّت، ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنفال٦٢، إذا المُؤيِّد بالكسر هو الله ﷿، والمُؤيَّد هو النبي ﷺ، (في أقواله وأفعاله) إذًا هو المُثبتَّ في أقواله هو المُثبتَّ في أفعاله هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن أقواله كلها عليها شاهد الحق وكذلك أفعاله، كل قول للنبي ﷺ عليه شاهد حق، وكذلك كل فعل عليه شاهد حق، وهذا يُشعر من كلام المُصنف هنا - رحمه الله تعالى – أنه يرى أن النبي ﷺ معصومًا مطلقًا في الأقوال والأفعال، والمسألة فيها نزاع، ولكن القول الراجح في هذه المسألة أن أفعال الرسول ﷺ قد تكون مبنية على الاجتهاد، وهذا القسم الذي هو من أفعاله المبنية على الاجتهاد قد يقع فيها ما هو خطأ ولكنه لا يُقر من السماء، ولذلك جاء العتاب في بعض آيات الكتاب ﴿عَفَا اللهُ عَنكَ﴾ التوبة٤٣، لم هذا الكلام؟ إذًا وقع ما هو مخالف للصواب، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ التحريم١، ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾. إذًا قد يقع في اجتهاد النبي ﷺ ما هو مُخالف للصواب ولكنه لا يُقر وإنما يأتي التصحيح أو التصويب من السماء، فإذا لم يأتي علمنا أنه حق، (وعلى جميع صحبه وآله) صحبه: جمع صاحب والمراد به من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به ومات على ذلك وزاد الحافظ بن حجر ولو تخللت ردة في الأصح وقال السيوطي في ألفية المصطلح (حد الصحابي مسلما لاقي الرسول وإن بلا رواية عنه وطول) إذًا لا يُشترط طول الصحبة وهذا على مذهب المُحدثين، وسيأتي أن مذهب كثير من الأصوليين أنهم يشترطون طول الصحبة فإذا لم تُطل صحبتهم للنبي ﷺ لا يُعد عندهم صحابي، وسيأتي في موضوعه، (وعلى جميع صحبه وآله) آله أضافه إلى الضمير وهو الصحيح عند أهل التحقيق والمراد به أتباعه على دينه.
1 / 12
وفُسِر بأقاربه ﷺ، وهنا عطف الآل على الصحب من العطف العام على الخاص، وهذا جائز على الصحيح، عطف الخاص على العام هذا فيه اتفاق، وأما عطف العام الخاص هذا فيه خلاف والصحيح أنه جائز، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ الحج٧٧، هذا كله عطف عام على خاص.
هذه (قواعد الأصول ومعاقد الفصول)، هذه: المشار إليه الأصل أن يكون حسيًا، المصنف هنا لم يقل وبعد والزيادة هذه من المُحقق وليست من أصل الكتاب، هذه: قد تكون مقام أما بعد عند بعض المصنفين، الأصل أن يأتي بالسنة أما بعد ولا يُجزئ غيرها عنها، وبعد ليست سنة، أما بعد هي السنة، وبعد قالوا هذه الواو نائبة مناب أما، وبعضهم لا يأتي وبعد، لا يأتي بها وإنما يقول هذا، فحينئذ يكون لفظ هذا الاسم الإشارة اُستعمل استعمال أما بعد، لأن أما بعد تفيد الانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر يعني من أسلوب المقدمة إلى أسلوب الشروع في الكتابة. وليس المراد الانتقال من التمني إلى الترجي كما اعترض بعض أهل العلم – لا - المراد الانتقال من أسلوب المقدمة إلى أسلوب الشروع في المقصود. هذا أُقيمت مقام أما بعد، فانتُقِل بها من أسلوب وهو الانتقال من المقدمة إلى أسلوب آخر وهو الشروع في المقصود. هذه: المُشارة إليه في الأصل يكون محسوسًا موجودًا، والكتاب كان كما هو عادة المصنفين المتقدمين أنهم يكتبون المقدمة قبل الكتاب، واسم الإشارة لابد أن يكون لشيء موجود، فحينئذ كيف يكون المُصنف أشار بلفظ هذه إلى شيء غير موجود؟ الجواب أن يُقال أنه نزَّل المعدوم منزل كالمحسوس، يعني لما صور لابد أنه يجعل في ذهنه أو في نفسه قواعد الكتاب أصوله أبوابه ما الذي سيقول ما الذي سيذكره في الجملة ثم لما أراد أن يشرع نزل هذا المعدوم كأنه موجود فيكتب، فعامله معاملة ماذا؟ الموجود. ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ﴾ المرسلات٣٨، يوم الفصل هل هو موجود الآن؟ لا، لكنه نُزِّل للإيمان به قوي مُنزلة الموجود كأنك تراه فأُشير إليه
بهذه.
1 / 13
(قواعد الأصول ومقاعد الفصول) قواعد جمع قاعدة والقواعد جمع قاعدة، والقاعدة في اللغة هي الأساس وبعضهم يعبر عنها بالضابط أو القانون وفي الاصطلاح قضية كلية يُتعَرف بها أحكام وجزئيات في موضوعها، كالأمر مُطلق الأمر للوجوب، هذه قضية كلية عامة، إذا عرفها وعرف معناها ومدلولها ودليلها استطاع يواسطة هذه القاعدة أن يتوصل إلى أحكام جزئيات موضوعها وسيأتي مزيد بيان. (قواعد الأصول) أصول المراد به علم أصول الفقه، لأن أصول الفقه هو قواعد نفسه لذلك سيأتي بحده معرفة دلائل الفقه، أن المراد بالدلائل الأدلة المتفق عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس هذه عينها نفسها أصول الفقه. والقواعد العامة التي استنبطها الأصوليون من الكتاب والسنة أيضًا هي أصول الفقه، (ومعاقد الفصول) معاقد جمع معقد يعني الذي يكون معقدًا أو محلأ لما يُعقَد، الفصول جمع فصل والمراد به أنه فصَّله وجزَّأه، يعني هذا الكتاب مُجزَّأ ومُفصَّل لما هو معلوم عند أهل العلم أنهم إذا أرادوا أن يجعلوا كتاب ما فيه نوع طول يُفصَّل ويُبوَّب ويُكتَّب، لذلك يُقال كتاب الطهارة كتاب الصلاة كتاب الزكاة إلى آخره، ثم يُذكر تحت كل كتاب أبواب وتحت كل باب إذا طال يجعلون فصلًا، لماذا؟ تسهيلًا للعلم لأنه إذا كان مبوبًا عرف طالب العلم أين يرجع إلى أحكام الطهارة، وإذا كان أحكام الطهارة مُفصلة أيضًا مُبوبَة عرف أيضًا إذا أراد أن يبحث مثلًا في إزالة النجاسة أين يبحث، أيضًا في تسهيل وتيسير على طالب العلم في الحفظ والفهم والمذاكرة، لأنه إذا انتهى إلى باب نشطت نفسه إلى الباب الذي يليه، وبعد هذه قواعد الأصول ومعاقد الفصول.
1 / 14
قال: (من كتابي) يعني هذه القواعد مأخوذة ومختصرة من كتابه هو، ما اسمه؟ قال (المسمى بـ تحقيق الأمل) وكما ذكره صاحب الأصل هنا تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل، والجدل هو داخل في فن الأصول كما سيأتي، (مجردة من الدلائل) يعني هذه القواعد الأصل أنها ذُكرِت بأدلتها وتعليلها في الأصل أنها مذكورة بالدليل والتعليل، حذف الدليل والتعليل فصارت مجردة كأنها رموز مُجردة من الدلائل، دلائل جمع دليل وسيأتي بيانه، من غير إخلال بشيء من المسائل: إذًا ذكر المسائل كلها وإنما حذف أدلتها وتعليلاتها، لماذا فعل ذلك؟ قالت (تذكرة) هذا مفعول لأجله، (تذكرة للطالب المُستبين) يعني الذي تبين العلم وأخذ بحظ وافر، إذا الطالب المُنتهي لا يستغني عن المختصرات لأنك لو أردت أن تُراجع العلم كله من أوله إلى آخره وجئت إلى المطولات تجده إلى أربع مجلدات إلى سبع إلى ثمان إلى عشر، لكن لو أخذت هذا الكتاب وجردته لاستطاع الطالب أن يستعيد الكثير من المسائل التي قد نسيها، (وتبصرة للراغب المستعين، تبصرة هذا مصدر بصره الأمر تبصيرًا وتبصرة فهمه إياه، إذًا هو تفهيم، للراغب في العلم: الراغب في كذا وعن كذا، هنا الراغب في العلم، المُستعين: يعني الذي يحتاج إلى غيره إلى مُعين، وهذا من؟ هذا المبتدي، ولذلك يقولون العلم في الكتاب ومفتاحه في صدر معلمه، وبالله أستعين: يعني أطلب عونه، هذه باب استفعل استعون أصله، وعليه أتوكل: هنا قال أستعين يعني أطلب عونه، وعليه أتوكل: أي اعتمد وهو حسبي: يعني كافي ونعم المُعين يعني الذي يُستمد منه العون، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
(أصول الفقه): معرفة دلائل الفقه إجمالًا، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد، وهو المجتهد.
و(الفقه) لغة: الفهم.
واصطلاحًا: معرفة أحكام الشرع المتعلقة بأفعال العباد.
و(الأصل): ما ينبني عليه غيره.
فأصول الفقه: أدلَّته، والغرض منه: معرفة كيفية اقتباس الأحكام والأدلة وحال المقتبس.
وذلك ثلاثة أبواب.
قال: أصول الفقه: إذا بدأ المُصنف - رحمه الله تعالى – بتعريف أصول الفقه وذلك ليعلم طالب الفن بما يضبط مسائله الكثيرة ليكون حينئذ على بصيرة بما يطلب قبل الخوض في جزئيات المسائل، لذلك يقولون من أراد أن يشرع في فن ما لابد وأن يتصوره بوجه ما، لأن الطالب إذا طلب ما لا يتصوره حينئذ قد طلب مجهودًا وهو مُحال وإذا طلب ما حصل علمه تفصيلًا في نفسه أيضًا هذا مُحال، لأنه من باب تحصيل الحاصل، وإنما يتصوره بوجه ما، وأهل العلم نصوا على أنه يحصل بمبادئ العشرة: إن مبادئ كل فن عشرة الحدّ والموضوع ثم الثمرة ونسبة وفضلة والواضح والاسم الاستمداد حكم الشارع مسائل والبعض بالبعض اكتفى ومن درى الجميع حاز الشرفا.
1 / 15
هذه تُسمي مسائل المبادئ العشرة، لما أنهي المُصنف المقدمة مقدمة الكتاب، شرع يُبين لك يا طالب العلم مقدمة العلم، المقدمة عنده مقدمتان: مقدمة كتاب هي التي ذكرناها الآن، يذكر فيه اسمه غالبًا والكتاب وطريقته بالكتاب، ومبادئ العلم مقدمة العلم يذكر حده والغرض منه وفائدته وموضوعه إلى آخره.
1 / 16
أصول الفقه: هذا مُركب إضافي، أصول مُضاف والفقه مُضاف إليه، النظر إلى هذا التركيب من جهتين، الذي يعتني به الأصوليون هو كونه لقبًا وعلمًا على الفن المُسمى بهذا التركيب لأنه صار ماذا؟ صار أصول الفقه الذي هو مركب إضافي نُقل عن التركيب في أصله وجُعِل علمًا لمسمى هو أصول الفقه، إذا نظر الأصولي إلى أي شيء بالأصالة ينظر له من حيث إنه علم لهذا الفن ولقب لهذا الفن، قبل جعله علمًا هو مُركب إضافي، أصول والفقه، عرفنا هذا الآن، إذا أردنا أن نُحده على أنه علم بهذا الفن، هل يُشترط في العلم بالعلم المُركب المُؤلَّف من جزأي هل يُشتَرط في حده والعلم به العلم بجزأيه قبل جعله علمًا أو لا؟ هذا مُختَلف فيه بين الأصوليين، بعضهم يقول لا يمكن أن نُعرِف أصول الفقه وهو علم ولقب على الفن مُسمى وهو مُركَّب إضافي إلا بعد معرفة جزأيه، فحينئذ لابد من معرفة المراد بأصول ولابد من معرفة المراد بالفقه، كل منهما لغة واصطلاحا ثم ننتقل بعد ذلك إلى معرفة أصول الفقه علمًا، لأنه صار مفردًا كلمة واحدة، كما إذا سُمي عبد الله عبد الله هذا وصف ثم جُعل علمًا على شخص نقول عبد الله هذا كلمة واحدة، قال (أصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالًا) إذا بدأ بماذا؟ بدأ بتعريفه علمًا ولقبًا لهذا الفن، ونقول المُصنف كأنه يميل إلى أن معرفة المركب العلم أنه لابد وأن يُعرَف جزأه أيضًا بدليل أنه عرَّف الفقه بعد ذلك لغة واصطلاحًا وعرَّف الأصل لغة واصطلاحًا، فكان الأولى عليه وله أن يُقدِّم ماذا تعريف الفقه أولًا لغة واصطلاحًا وتعريف الأصل أو الأصول أولًا لغة واصطلاحًا، حينئذ لابد من التقديم والتأخير، فنقول (الفقه) مقال المُصنف هنا الفهم، الفقه في اللغة الفهم لغة، هذه زيادة من المُصنف وجدها في بعض المخطوطات لغة بالنصب على أنه حال أو تمييز أو بنزع الخافض ثلاثة أقوال، ما حد الفقه في اللغة؟ الفهم، الفهم مُطلقًا أو يُقيد بشيء ما، بعض أهل العلم قيده قال الفهم لأشياء دقيقة خفية، وأما الأشياء الظاهرة إذا فُهمَت لا تُسمى فقهًا ولكن المُصنف هنا أطلق قال الفقه لغة الفهم، إذًا مطلقًا لما ظهر ولما دق وغمض، لماذا؟ لأن المُصنف هنا أطلق ولم يُقيد الفهم كما قيده أبو اسحاق الشيرازي، حيث قال: الفقه هو إدراك الأشياء الدقيقة، وهو معنى الفهم إدراك الأشياء الدقيقة، إذا إدراك الأشياء الظاهرة فهم الأشياء الظاهرة هذا لا يُسمى فقها في اللغة، ولذلك قال أبو اسحاق يُقال فقهت كلامك ولا يُقال فقهت السماء والأرض، ولا يُقال فقهت أن السماء فوق والأرض تحت، أليس كذلك؟ فدل على أن السماء لما كانت أمرًا ظاهرًا لم يتعلق بها اللفظ ولم يصح التركيب ولما كان الكلام في الأصل أنه لما دق وغمض ويحتاج إلى إمعان نظر صح عنه أن يُقال فقهت كلامك، لكن نقول الصواب أنه الفهم مُطلقًا سواء كان لما ظهر وبان وانتشر أو لما دق وغمض وخفي، الدليل على ذلك أنه جاء في إطلاقات الشرع مرادًا به الفهم مطلقًا، ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ طه٢٧ - ٢٨، يعني يفهموا قولي، وقولي هذا مصدر مضاف إلى معرفة حينئذ يفيد العموم لأن قولًا قد يكون ظاهرًا وقد يكون خفيًا، فأُضيف
1 / 17
الشفتان عامة. إذا ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ الظاهرة والخفية، كذلك قوله جل وعلا ﴿فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ النساء٧٨، يعني لا يكادون يفهمون. ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ﴾ هود٩١، والذي يدعوهم إليه شعيب هو التوحيد، والتوحيد فيه خفاء؟ أصل التوحيد وأصول التوحيد قواعد عامة، يعرفها العامي وغيره، فحينئذ لما كانت دعوة شعيب إلى التوحيد وهي من المُحكمات ليست من المتشابه، بل نصَّ ابن القيم على أنها أحكم المُحكمات كآيات الصفات ونحوها ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ﴾ أي لا نفهم كثيرًا مما تقول، ومُتعلق الفقه دون ماذا؟ هو الفهم الظاهر الفهم لما ظهر، إذًا قوله الفقه لغة الفهم نقول هذا عام يشمل الفهم لما ظهر ولما خفي، أما قوله لما يُقال فقهت كلامك ولا يُقال فقهت السماء والأرض، نقول هذا نعم صحيح لماذا؟ لأنه مُتعلق الفَهم هو المعاني، المعقولات وليست المحسوسات، حينئذ لا يتعلق الفقه بالمحسوسات، فإذا قيل فقهت المسجد نقول لا يصح هذا التركيب لأن المسجد هذا محسوس، فقهت السماء فوق فقهت الأرض تحت نقول أيضًا هذا لا يصح التركيب لماذا؟ لأنه محسوس، إذًا لم يُخالف لمعنى الفقه أنه لما دقَّ ولطف بل لكون الفقه من المعقولات لا من المحسوسات. إذا عرفنا حد الفقه في اللغة أنه الفهم، لكن يرد السؤال ما المُراد بالفهم؟ نقول إدراك معنى الكلام، والإدراك هو أصول النفس إلى المعنى بتمامه، إذا فهم السامع المراد من اللفظ المُفرد أو من المركبات نقول قد أدرك وإذا أدرك نقول قد فهم، والفقه لغة الفهم.
1 / 18
ثم قال واصطلاحًا: عرف الفقه في اللغة ثم عرفه في الاصطلاح، يرد السؤال: لماذا أهل العلم يعرفون المصطلحات أو إذا أرادوا أن يفسروا الاصطلاح يقدمون له بالمعنى اللغوي لابد أن يقول مثلًا الصلاة هو يريد أن يتكلم في الصلاة في اصطلاح الفقهاء ثم يقول الصلاة لغة الدعاء والزكاة لغة .. إلى آخره، يُقدمون بالمعنى اللغوي ثم بعد ذك يذكرون المعنى الاصطلاحي، مرادهم بهذا أن يشيروا بأني المعنى الاصطلاحي لا يُباين المعنى اللغوي مباينة مُطلقة، يعني ثم علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي وهذا على إثبات أن الحقيقة العرفية وكذلك الحقيقة الشرعية أنها منقولة عن الحقيقة اللغوية وسيأتي بحثه في موضعه، فالأصل هو الحقيقة اللغوية، ثم يأتي العُرف فيُخصص المعنى العام العرفي المعنى العام الذي دلَّ عليه اللغوي، أو يُعمم المعنى الذي دلَّ عليه اللغوي. هنا قال واصطلاحًا معرفة أحكام الشرع المتعلقة بأفعال العباد. هذا هو الفقه في الاصطلاح، والفقه في اللغة الفهم، أيهما أعم؟ اللغوي أعم لأنه فهم لكل شيء سواء كانت أحكام شرعية أم غيرها، أما الفقه في الاصطلاح هو فهم مُقيَّد، هذا الفهم المُقيَّد مُقيَّد بأنه أحكام شرعية، وليست مطلقة الأحكام الشرعية بل المتعلقة بأفعال العباد. إذًا المعنى الاصطلاحي هنا أخص مطلقًا من المعنى اللغوي، فكل فقه اصطلاحي فهو فقه لغوي ولا عكس. قال واصطلاحًا معرفة أحكام الشرع المتعلقة بأفعال العباد، معرفة: بعضهم يعبر بالعلم وبعضهم يعبر بالمعرفة، وهذا بناء منهم على أن العلم هو إدراك جازم، وإذا عُبِر بالإدراك الجازم بالعلم صار الفقه كله قطعيًا، وإذا عُبِر بالمعرفة والمعرفة تشمل النوعين الظني والقطعي صار الفقه منه ما هو مقطوع به ومنه ما هو مظنون، نقول الفقه بعضه قطعي يعني لا يحتمل الخلاف وهو من الدين بالضرورة، وجوب الصلاة هل فيه خلاف على أنها خمس صلوات؟ ليس فيه خلاف لأهل العلم بإجماع العامة والخاصة أنها خمس صلوات والليلة، نقول هذا فقه وهو قطعي يعني يقيني لا يحتمل النقيض ولا يحتمل الخطأ ولا يحتمل الشك، أما مثلًا وجوب صلاة الوتر عند أبي حنيفة نقول هذا مظنون، سنية الوتر عند الجمهور نقول هذا مظنون، لماذا؟ لوقوع الخلاف فيه ولاحتمال الأدلة فحينئذ ثار بعض الفقه قطعيًا وصار بعض الفقه ظنيًا لأن الأدلة من حيث الثبوت منها ما هو قطعي ومنها ما هو ظني، ومن حيث استنباط الحكم ودلالة النص على الحكم منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني وسيأتي في الكلام على الأدلة.
1 / 19