290

شرح نهج البلاغة

محقق

محمد عبد الكريم النمري

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هجري

مكان النشر

بيروت

وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع ، وأراق دموعهم خوف المحشر ، فهم بين شريد ناد ، وخائف مقموع ، وساكت مكعوم ، وداع مخلص ، وثكلان موجع ، قد أخملتهم التقية ، وشملتهم الذلة ، فهم في بحر أجاج ، أفواههم ضامزة ، وقلوبهم قرحة ، قد وعظوا حتى ملوا ، وقهروا حتى ذلوا ، وقتلوا حتى قلوا .

فلتكن الدنيا في أعيينكم أصغر من حثالة القرظ ، وفراضة الجلم . واتعظوا بمن كان قبلكم أن يتعظ بكم من بعدكم ، وارفضوها ذميمة ، فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم .

قال الرضي رحمه الله : وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية ؛ وهي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه ، وأين الذهب من الرغام ! وأين العذب من الأجاج ! وقد ذل على ذلك الدليل الخريت ، ونقده الناقد البصير ، عمرو بن بحر الجاحظ ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب التبيين والبيان ، وذكر من نسبتها إلى معاوية . ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها ، جملته أنه قال : وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام أشبه وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الأخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ، ومن التقية والخوف أليق . قال : ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ، ومذاهب العباد ! الشرح : دهر عنود : جائر ، عند عن الطريق ، يعند بالضم ، أي عدل وجار . ويمكن أن يكون من عند يعند بالكسر ، أي خالف ورد الحق وهو يعرفه ، إلا أن اسم الفاعل المشهور في ذلك عاند وعنيد ، وأما عنود فهو اسم فاعل ، من عند يعند بالضم .

قوله : وزمن شديد ، أي بخيل ، ومنه قوله تعالى : ' إنه لحب الخير لشديد ' ، أي وإنه لبخيل لأجل حب الخير ، والخير : المال ، وقد روي : وزمن كنود ، وهو الكفور ، قال تعالى : ' إن الإنسان لربه لكنود ' .

والقارعة : الخطب الذي يقرع ، أي يصيب .

قوله : ونضيض وفره ، أي قلة ماله ، وكان الأصل ونضاضة وفره ، ليكون المصدر في مقابلة المصدر الأول ، وهو كلالة حده ، لكنه أخرجه على باب إضافة الصفة إلى الموصوف ، كقولهم : عليه سحق عمامة ، وجرد قطيفة ، وأخلاق ثياب .

قوله : والمجلب بخيله ورجله ، المجلب : اسم فاعل من أجلب عليهم ، أي أعان عليهم .

والرجل : جمع راجل ، كالركب جمع راكب ، والشرب جمع شارب ؛ وهذا من ألفاظ الكتاب العزيز : ' وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ' .

صفحة ١٠٤