شرح نهج البلاغة
محقق
محمد عبد الكريم النمري
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هجري
مكان النشر
بيروت
وروى نصر أيضا عن عمر بن سعد قال : قال معاوية لعمرو : يا أبا عبد الله ، إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى الله وشق عصا المسلمين ، وقتل الخليفة وأظهر الفتنة ، وفرق الجماعة وقطع الرحم ، فقال عمرو : من هو ؟ قال : علي ، قال : والله يا معاوية ما أنت وعلي بحملي بعير ، ليس لك هجرته ولا سابقته ، ولا صحبته ولا جهاده ، ولا فقهه ولا علمه . ووالله إن له مع ذلك لحظا في الحرب ليس لأحد غيره ، ولكني قد تعودت من الله تعالى إحسانا وبلاء جميلا ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر ؟ قال : مصر طعمة ، فتلكأ عليه معاوية .
قال نصر : وفي هذا حديث غير عمر بن سعد : فقال له معاوية : يا أبا عبد الله ، إني أكره لك أن تتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا ، قال عمرو : دعني عنك ، فقال معاوية : إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت ، قال عمرو : لا ، لعمر الله ما مثلي يخدع ، لأنا أكيس من ذلك ، قال معاوية : ادن مني أسارك ، فدنا منه عمرو ليساره ، فعض معاوية أذنه ، وقال : هذه خدعة ! هل ترى في البيت أحدا ؟ ليس غيري وغيرك . قلت : قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو له : دعني عنك ، كناية عن الإلحاد ، بل تصريح به ، أي دع هذا الكلام لا أصل له ، فإن اعتقاد الآخرة ، وأنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات .
وقال رحمه الله تعالى : وما زال عمرو بن العاص ملحدا ، ما تردد قط في الإلحاد والزندقة ، وكان معاوية مثله ، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي ، وأن معاوية عض أذن عمرو ، أين هذا من سيرة عمر ؟ وأين هذا من أخلاق علي عليه السلام وشدته في ذات الله ، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة ! .
قال نصر : فأنشأ عمرو يقول :
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل . . . به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة . . . أخذت بها شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء وإنني . . . لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع
ولكني أغضي الجفون وإنني . . . لأخدع نفسي ، والمخادع يخدع
وأعطيك أمرا فيه للملك قوة . . . وألفى به إن زلت النعل أصرع
وتمنعني مصرا وليست برغبة . . . وإني بذا الممنوع قدما لمولع
صفحة ٤٠