152

شرح نهج البلاغة

محقق

محمد عبد الكريم النمري

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هجري

مكان النشر

بيروت

وأغباش الفتنة : ظلمها ، الواحد غبش ، وأغباش الليل : بقايا ظلمته ، ومنه الحديث في صلاة الصبح : ' والنساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغبش ' والماء الآجن : الفاسد . وأكثر ، كقولك : استكثروا ، ويروى : اكتنز ، أي اتخذ العلم كنزا .

والتخليص : التبيين ، وهو والتلخيص متقاربان ، ولعلهما شيء واحد من المقلوب .

والمبهمات : المشكلات ؛ وإنما قيل لها مبهمة ، لأنها أبهمت عن البيان ، كأنها أصمتت فلم يجعل عليها دليل ولا إليها سبيل ، أو جعل عليها دليل وإليها سبيل ؛ إلا أنه متعسر مستصعب ؛ ولهذا قيل لما لا ينطق من الحيوان : بهيمة ، وقيل للمصمت اللون الذي لا شية فيه : بهيم .

وقوله : حشوا رثا ، كلام مخرجه الذم ، والرث : الخلق ، ضد الجديد .

وقوله : حشوا ، يعني كثيرا لا فائدة فيه . وعاش : خابط في ظلام وقوله : لم يعض ، يريد أنه لم يتقن ولم يحكم الأمور ، فيكون بمنزلة من يعض بالناجذ ، وهو آخر الأضراس وإنما يطلع إذا استحكمت شبيبة الإنسان واشتدت مرته - ولذلك يدعوه العوام ضرس الحلم ، كأن الحلم يأتي مع طلوعه ، ويذهب نزق الصبا ، ويقولون : رجل منجذ ، أي مجرب محكم ، كأنه قد عض على ناجذه وكمل عقله . وقوله : يذري الروايات ، هكذا أكثر النسخ ، وأكثر الروايات يذري من أذرى رباعيا ، وقد أوضحه قوله : إذراء الريح ، يقال : طعنه فأذراه ، أي ألقاه ، وأذريت الحب للزرع ، أي ألقيته ، فكأنه يقول : يلقي الروايات كما يلقي الإنسان الشيء على الأرض ؛ والأجود والأصح الرواية الأخرى : يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم ، وهكذا ذكر ابن قتيبة في غريب الحديث ، لما ذكر هذه الخطبة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال تعالى : ' فأصبح هشيما تذروه الرياح ' ، والهشيم : ما يبس من النبت وتفتت .

قوله : لا ملئ أي لا قيم به ، وفلان غني ملئ ، أي ثقة بين الملأ والملاء ، بالمد ، وفي كتاب ابن قتيبة تتمة هذا الكلام : ولا أهل لما قرظ به ، قال : أي ليس بمستحق للمدح الذي مدح به ، والذي رواه ابن قتيبة من تمام كلام أمير المؤمنين عليه السلام هو الصحيح الجيد ، لأنه يستقبح في العربية أن تقول : لا زيد قائم ، حتى تقول : ولا عمرو ، أو تقول : ولا قاعد ؛ فقوله عليه السلام : لا ملئ ، أي لا هو ملئ ، وهذا يستدعي لا ثانية ، ولا يحسن الاقتصار على الأولى .

وقوله عليه السلام : اكتتم به ، أي كتمه وستره . وقوله : تصرخ منه وتعج . والعج : رفع الصوت - وهذا من باب الاستعارة .

صفحة ١٧٢