شرح نهج البلاغة
محقق
محمد عبد الكريم النمري
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هجري
مكان النشر
بيروت
فقال ابن جرموز : وأنا أريد ذلك ، فقال الزبير : فتؤمني وأؤمنك ؟ قال : نعم ، فثنى الزبير رجله ، وأخذ وضوءه . فلما قام إلى الصلاة شد ابن جرموز عليه فقتله ، وأخذ رأسه وخاتمه وسيفه ، وحثا عليه التراب يسيرا ، ورجع إلى الأحنف ، فأخبره ، فقال : والله ما أدري أسات أم أحسنت ؟ اذهب إلى علي عليه السلام فأخبره ، فجاء إلى علي عليه السلام ، فقال للآذن : قل له : عمرو بن جرموز بالباب ومعه رأس الزبير وسيفه ، فأدخله . وفي كثير من الروايات أنه لم يأت بالرأس بالسيف ، فقال له : وأنت قتلته ؟ قال : نعم ، قال : والله ما كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ، ولكن الحين ومصارع السوء ، ثم قال : ناولني سيفه ، فناوله فهزه ، وقال : سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ابن جرموز : الجائزة يا أمير المؤمنين ، فقال : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ' بشر قاتل ابن صفية بالنار ' ، فخرج ابن جرموز خائبا ، وقال :
أتيت عليا برأس الزبير . . . أبغي به عندي الزلفه
فبشر بالنار يوم الحساب . . . فبئست بشارة ذي التحفه
فقلت له إن قتل الزبير لولا رضاك من الكلفه
فإن ترض ذاك فمنك الرضا . . . وإلا فدونك لي حلفه
ورب المحلين والمحرمين . . . ورب الجماعة والألفه
لسيان عندي قتل الزبير . . . وضرطة عنز بذي الجحفه
ثم خرج ابن الجرموز على علي عليه السلام ، مع أهل النهر ، فقتله معهم فيمن قتل .
ومن كلام في صفة قوم أرعدوا وفشلهم في ذلك
الأصل : وقد أرعدوا وأبرقوا ، ومع هذين الأمرين الفشل ، ولسنا نرعد حتى نوقع ، ولا نسيل حتى نمطر .
الشرح : أرعد الرجل وأبرق ، إذا أوعد وتهدد ، وكان الأصمعي ينكره ، ويزعم أنه لا يقال إلا رعد وبرق ، ولما احتج عليه ببيت الكميت :
أرعد وأبرق يا زيد . . . فما وعيدك لي بضائر
قال : الكميت قروي لا يحتج بقوله .
وكلام أمير المؤمنين عليه السلام حجة دالة على بطلان قول الأصمعي . والفشل : الجبن والخور .
وقوله : ولا نسيل حتى نمطر ، كلمة فصيحة ، يقول : إن أصحاب الجمل في وعيدهم وإجلابهم بمنزلة من يدعي أنه يحدث السيل قبل إحداث المطر ، وهذا محال ، لأن السيل إنما يكون من المطر ، فكيف يسبق المطر ! وأما نحن فإنا لا ندعي ذلك ، وإنما نجزي الأمور على حقائقها ؛ فإن كان منا مطر كان منا سيل ، وإذا أوقعنا بخصمنا أوعدنا حينئذ بالإيقاع به غيره من خصومنا .
صفحة ١٤٦