شرح نهج البلاغة
محقق
محمد عبد الكريم النمري
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هجري
مكان النشر
بيروت
فبلغ عليا عليه السلام قولهما ، فقال : أبعدهما الله وأغرب دارهما ! أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ، ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ، والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوجهي فاجرين ، ورجعا بوجهي غادرين ناكثين ، والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء ، يقتلان فيهما أنفسهما ، فبعدا لهما وسحقا ! وذكر أبو مخنف في كتاب الجمل ، أن عليا عليه السلام خطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عائشة يريدون البصرة ، فقال : أيها الناس ، إن عائشة سارت إلى البصرة ، ومعها طلحة والزبير ، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أما طلحة فابن عمها ، وأما الزبير فختنها ، والله لو ظفروا بما أرادوا - ولن ينالوا ذلك أبدا - ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد . والله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه ، حتى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة ، أي والله ليقتلن ثلثهم ، وليهربن ثلثهم ، وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب ، وإنهما ليعلمان أنهما مخطئان . ورب عالم قتله جهله ، ومعه علمه لا ينفعه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ! فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية ، أين المحتسبون ؟ أين المؤمنون ؟ مالي ولقريش ! أما والله لقد قتلتهم كافرين ، ولأقتلهم مفتونين ! وما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا . والله لأبقرن الباطل ، حتى يظهر الحق من خاصرته ، فقل لقريش فلتضج ضجيجها . ثم نزل .
برز علي عليه السلام يوم الجمل ، ونادى بالزبير : يا عبد الله ، مرارا ، فخرج الزبير ، فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما ، فقال له علي عليه السلام : إنما دعوتك لأذكرك حديثا قاله لي ولك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتذكر يوم رآك وأنت معتنقي ، فقال لك : ' أتحبه ' ؟ قلت : وما لي لا أحبه وهو اخي وابن خالي ! فقال : ' أما إنك ستحاربه وأنت ظالم له ' . فاسترجع الزبير ، وقال : أذكرتني ما أنسانيه الدهر ، ورجع إلى صفوفه . فقال له عبد الله ابنه ، لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به ! فقال : أذكرني علي حديثا أنسانيه الدهر فلا أحاربه أبدا ، وإني لراجع وتارككم منذ اليوم . فقال له عبد الله : ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب ، إنها لسيوف حداد ، تحملها فتية أنجاد ؛ فقال الزبير : ويلك ! أتهيجني على حربه ! أما إني قد حلفت ألا أحاربه ، قال : كفر عن يمينك ؛ لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت ، وما كنت جبانا ، فقال الزبير : غلامي مكحول حر كفارة عن يميني ، ثم أنصل سنان رمحه ، وحمل على عسكر علي عليه السلام برمح لا سنان له ، فقال علي عليه السلام : أفرجوا له ، فإنه محرج ، ثم عاد إلى أصحابه ، ثم حمل ثانية ، ثم ثالثة ، ثم قال لابنه : أجبنا ويلك ترى ! فقال : لقد أعذرت .
صفحة ١٤٤