وتوفي الرضي في المحرم سنة أربع وأربعمائة ودفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر عليه السلام لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه، وصلى عليه الوزير فخر الملك أبو غالب، ومضى بنفسه آخر النهار إلى المشهد الشريف الكاظمي فألزمه بالعود إلى داره. ومما رثاه به أخوه المرتضى الأبيات المشهورة التي من جملتها:
يا للرجال لفجعة جذمت يدي * ووددت لو ذهبت علي برأسي ما زلت أحذر وردها حتى أتت * فحسوتها في بعض ما أنا حاسي ومطلتها زمنا فلما صممت * لم يثنها مطلي وطول مكاسي لا تنكروا من فيض دمعي عبرة * فالدمع غير مساعد ومواسي لله عمرك من قصير طاهر * ولرب عمر طال بالأدناس وحكى ابن خلكان عن بعض الفضلاء أنه رأى في مجموع أن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي (صاحب الترجمة) بسر من رأى وهو لا يعرفها، وقد أخنى عليها الزمان وذهبت بهجتها وأخلقت ديباجتها، وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة وحسن الشارة، فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق الحدثان، وتمثل بقول الشريف الرضي:
ولقد بكيت على ربوعهم * وطلولها بيد البلي نهب فبكيت حتى شج من لغب * نضوي، ولج بعذلي الركب وتلفتت عيني فمذ خفيت * عني الطلول تلفت القلب فمر به شخص وهو ينشد الأبيات فقال له: هل تعرف هذه الدار لمن هي؟ فقال لا. فقال هذه الدار لصاحب الأبيات الشريف الرضي، فعجب كلاهما من حسن الاتفاق. وفي رواية العلماء من مناقب الشريف الرضي ما لو تقصيناه لطال الكلام، وإنما غرضنا أن يلم القارئ بسيرته بعض الالمام. والله أعلم.
صفحة ٩