[النص]
وتعزز بخلقة النار واستهون خلق الصلصال. فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة واستتماما للبلية. وإنجازا للعدة. فقال إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم. ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشته، وآمن فيها محلته، وحذره إبليس وعداوته. فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام ومرافقة الأبرار (1). فباع اليقين بشكه والعزيمة بوهنه. واستبدل بالجذل وجلا (2). وبالاغترار ندما. ثم بسط الله سبحانه له في توبته. ولقاه كلمة رحمته، ووعده المرد إلى جنته.
[الشرح]
بسبب أنه خلق من جوهر لطيف ومادة أعلى من مادة الصلصال. والصلصال الطين الحر خلط بالرمل أو الطين ما لم يجعل خزفا. والمراد من الصلصال هذا مادة الأرض التي خلق آدم عليه السلام منها. وجوهر ما خلق منه الجن - وهم من الجواهر اللطيفة - أعلى من جوهر ما خلق منه الإنسان وهو مجبول من عناصر الأرض. والنظرة بفتح فكسر الانتظار به حيا ما دام الإنسان عامرا للأرض متمتعا بالوجود فيكون من الشيطان في هذا الأمد ما يستحق به سخط الله وما تتم به بلية الشقاء عليه ويكون الله جل شأنه قد أنجز وعده في قوله إنك من المنظرين الخ (1) اغتر آدم عدوه الشيطان أي انتهز منه غرة فأغواه وكان الحامل للشيطان على غواية آدم حسده له على الخلود في دار المقام ومرافقته الأبرار من الملائكة الأطهار (2) أدخل الشيطان عليه الشك في أن ما تناول منه سائغ التناول بعد أن كان في نهى الله له عن تناول ما يوجب له اليقين بحظره عليه وكانت العزيمة في الوقوف عندما أمر الله فاستبد بها الوهن الذي أفضى إلى المخالفة. والجذل بالتحريك الفرح وقد كان في راحة الأمن بالإخبات إلى الله وامتثال الأمر فلما سقط في المخالفة تبدل ذلك بالوجل والخوف من حلول العقوبة وقد ذهبت عنه الغرة وانتبه إلى عاقبة ما اقترف فاستشعر الندم بعد الاغترار
صفحة ٢٢