بسم الله الرحمن الرحيم
وفق للإتمام يا ذا الجلال والإكرام
قال الشيخ الإمام أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي ﵀: أما بعد حمد الله بجميع المحامد، والتوكل عليه في [كل] المصادر والموارد، والصلاة على نبيه محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه البررة المتقين، والسلام عليهم أجمعين. فإن للمقصد حرمة مأثورة، ونية مشكورة مبرورة. ولما كنت أيها الأخ أبا القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي سعيد أدام الله توفيقك وإرشادك، وجعل من السعادة في الدين والدنيا والعلم هداك وإمدادك، قد اطلعتني على حالك، وذكرت أنك لم تسافر من الاسكندرية - مع قرب توجه سفرك إلى مقرك - إلا لتحصل ما أمكن من هذا العلم، وأن أقرب ذلك قراءة المقدمة المرسومة لهذا الثان. وإيثارك تعليق شرحها مختصرًا لتنال من ذلك
1 / 87
بلغة إلى حين عودتك بمشيئة الله وعونه، فتشرع في التنجز لهذا الشأن بحسب ما يؤديك إليه اجتهادك، والله معينك في ذلك وموفقك، أجبت سؤالك إيجاب مثلي لمثلك في مقصدك، وابتغاء مرضاة الله سبحانه [وتعالى] ورحمته. والله الموفق للصواب [بمنه].
قال الشيخ [أبو الحسن] ﵀: أما قولنا «النحو علم مستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله سبحانه والكلام الفصيح».
فإن النحو له تفسيران: لغوي، وصناعي. فاللغوي أن تقول هو القصد من قولهم: نحوت كذا وكذا، أي قصدته. وهذا الاسم وإن كان عامًا في الأصل - لأن كل علم مقصود - فهو مخصوص بالترجمة عن هذا العلم كاختصاص علم الشريعة بالفقه، وإن كان كل علم فقهًا [وفهمًا]. وكاختصاص الكعبة ببيت الله ﷿ وإن كانت المساجد كلها بيوتًا لله تعالى.
والنحو من المصادر التي وقعت موقع الأسماء. فالمراد بالنحو الشيء المنحو [إليه]، كالمراد بنسج اليمن إنه منسوج اليمن، وبقوله / سبحانه (أحل لكم
1 / 88
صيد البحر وطعامه)، أي مصيده. فقد خرج بهذه القضية من حكم المصادر [المنصوبة] على التأكيد. إذا قلت: نحوت النحو، إنما ينتصب انتصاب المفعول به لا انتصاب المصدر المؤكد. وعلى هذا تقول: نجي النحو، فتقيمه مقام ما لم يسم فاعله.
وهذه اللفظة كان القياس يجيز فيها فتح الحاء وتسكينها، على حد أنواعها مما فيه حرف من حروف الحلق. من نحو الشعر والشعر والنحر والنحر. لكنهم امتنعوا من الحركة في «النحو» لأجل أن الواو حرف علة، فلو حركوا الحاء لأدى ذلك إلى قلب الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتنب تحريكها لذلك.
وأما التفسير الصناعي فهو قولنا «علم مستنبط بالقياس». ولا إشكال في كون النحو علمًا من العلوم الجليلة، إذ كان العلم ضد الجهل، فلذلك سمي علمًا، ولا إشكال في كونه مستنبطًا لأن الاستنباط الاستخراج. من قوله سبحانه (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم). وأهل هذه الصناعة استخرجوه من كلام الله تعالى والكلام الفصيح. والطريق
1 / 89
الذي استخرجوه به طريقان: السماع والقياس. فالسماع بالتتبع والتصفح. والقياس بحمل شيء على شيء لضرب من الشبه. فلذلك قلنا: هو علم مستنبط بالقياس والاستقراء.
وأما قولنا: «والغرض به معرفة صواب الكلم من خطائه وفهم كلام الله تعالى وفوائده». فإنه لا ينبغي لأحد أن يدخل في علم من العلوم حتى يعرف الغرض الذي [لأجله] دخل، ليكون على بصيرة مما دخل فيه.
وهذا الغرض ينقسم إلى قسمين. أحدهما معرفة الخطاء حتى يجتنب. والآخر معرفة المعاني حتى تعتقد. ولا أجل من فهم معاني كتاب الله ﷿ وفوائده، ومن علم السنة والأخبار عن رسول الله ﷺ، والحكم ودواوين العرب. فإن كل هذا لا يفهم على التحقيق إلا بمعرفة العربية. ألا ترى أن القراءة في [مثل] قوله تعالى (أن الله بريء من المشركين ورسوله) بجر الرسول تؤدي إلى التبرء من الرسول بكونه معطوفًا على المشركين المجرورين بمن، و«من» متعلقة ببريء. فيؤدي إلى التبرء من الرسول كالتبرء من المشركين. ونعوذ بالله من إعراب يؤدي إلى فساد الدين. وأن القائل إذا قال لزوجته:
1 / 90
أنت طالق إن دخلت الدار. لم تطلق عليه حتى تدخل الدار. ولو فتح إن [فقال: أن] لكانت طالقًا في الحال. لأن الكلام صار علة، وفي الأول كان شرطًا. وأن الرجل إذا أقر فقلا: لفلان عندي مائة غير درهم - بنصب غير - كان مقرًا بتسعة وتسعين درهمًا، لأن غير هنا إذا انتصبت كانت استثناء من المائة. ولو رفع فقال: له عندي مائة غير درهم. لكان مقرًا بالمائة كلها كاملة، لأن غيرًا ها هنا صفة للمائة، وصفتها لا تخرجها عن جملتها ولا تنقص شيئًا منها. إلى غير ذلك من المسائل التي لا تحصى كثرة في أبواب الإقرارات والنكاحات والبيوعات وغيرها.
وأما قولنا: «والطريق إلى تحصيله [تكون] بإحكام أصوله وتقديم الأهم فالأهم من فصوله».
فإن أول كل مطلوب من شيء أصله. لأن البناء على الأصول، ومنها تتفرع الفروع، كما قال بعضهم: إنما منعهم من الوصول تضييع الأصول فلما أبطلوا تعطلوا.
وأما قولنا: «والأهم منها معرفة عشرة أشياء». فلأن مدار الكلام على هذه العشرة، لا ينفك كلام من جملتها أو بعضها. فالحاجة داعية إلى معرفتها.
فلذلك أخذ المبتديء بمعرفتها، ولأنها تسهل عليه كل ما يأتي بعدها.
1 / 91
وأما قولنا: «اسم وفعل وحرف».
فإن هذه الثلاثة هي الأصول الأول التي لا يستغنى عن تقدمة معرفتها لأنها أنفس الكلام. وما بعدها فإنما هو كلام على عوارضها الداخلة عليها. ولذلك اتفقت كتب متقدمي النحويين على البداية بها.
وإنما كان الكلام ثلاثة لا غير لأن العبارة على حسب المعبر عنه. والمعبر عنه لا يخلو من أن يكون ذاتًا كزيد وعمرو. أو حدثًا من ذات كقام وقعد، أو واسطة بين الذات وحدثها، تكون لايجاب شيء لها، أو نفي شيء عنها، أو شرطًا لها، مثل: إن زيدًا قام، وما زيد قام، وإن قام زيد قام عمرو. فالأسماء عبارة عن الذات. والأفعال عبارة عن الحدث. والحروف عبارة عن الوسائط. فلذلك / كانت ثلاثة على حسب المعبر عنه.
وإذا ثبت هذا. فالعلة في تقديم الكلام على الاسم من هذه الثلاثة لأنه أقواها وأمكنها. بدليل أنه يخبر به ويخبر عنه، من نحو: الله ربنا، وربنا الله. والحرف عكسه [لأنه] لا يخبر به ولا يخبر عنه، فأخر لذلك.
والفعل يخبر به ولا يخبر عنه، فوسط. ولأن كل شيء محمول على الاسم. لأن الله تعالى لما امتن على نبيه آدم ﵇ قال: (وعلم آدم الأسماء كلها).
1 / 92
فلذلك وجبت البداية بالكلام على الاسم.
وأما قولنا «وهي الاسم، والفعل، والحرف، والرفع، والنصب، والجر، والجزم، والعامل، والتابع، والخط».
فإنما رتبت هذا الترتيب لما تقدم من قوة الاسم، ومن توسط الفعل، ومن تأخر الحرف. ثم قدم الرفع على النصب لأنه من حركات العمد التي هي للفاعل وشبهه وللمبتدأ وشبهه. ثم قدم النصب على الجر لأن النصب كثير، والمنصوبات أكثر من المرفوعات وأقل من المجرورات. ثم قدم الجر على الجزم لأن الجر من إعراب ما هو مستحق للإعراب، وهو الاسم. وليست الأفعال بمستحقة للإعراب في الأصل، وإنما إعرابها للشبه. ثم قدم العامل على التابع لأن العامل لابد منه، والتابع منه بد. لأن التابع إنما يأتي محمولًا على غيره، والعامل يأتي لأمر يحتاج إليه في نفسه. ثم قدم التابع على الخط لأن التابع لاحق بالمتبوع فلحق بما تقدمه. ولم يبق إلا جعل الخط عاشرًا. فهذا فيه معرفة ترتيب هذه الجملة حتى تأخذ كلًا منها على أصل في نفسك مستقر.
1 / 93
فصل الاسم
كل فصل من هذه الفصول فهو مشتمل على ثلاثة أشياء، ما هو في نفسه وما قسمته، وما حكمه. لأن بمعرفة هذه الأشياء الثلاثة يتحصل الغرض في كل ما يفسر [في هذه المقدمة] وبالله التوفيق.
قال الشيخ ﵀: أما قولنا: «الاسم ما أبان عن مسمى، شخصًا كان أو غير شخص، مثل: رجل وامرأة وزيد وهند ونحوه من المرئيات. وعالم ومعلوم ونحوه من الصفات. وعلم وقدرة وفهم ونحوه من المعاني».
فإن هذا جواب عن السؤال الأول، وهو ما الاسم؟ . ولما كانت الأسماء الظاهرة لا تنفك من أن تكون عبارة عن أشخاص، أو عبارةً عن صفات، أو عبارةً عن معانٍ، انقسمت إلى هذه الأقسام المذكورة. فالأشخاص تعرفها بأنها مرئيات، كرجل وامرأة وزيد وهند [وشبه ذلك]. ولما كانت الأشخاص لا تنفك من أن تكون مذكرة أو مؤنثة مثل بالأمرين. ولما كان المذكر والمؤنث لا ينفك من أن يكون معرفةً أو نكرة مثل أيضًا بالمعرفة كما مثل بالنكرة، وهو زيد وهند [ورجل وامرأة]. والصفات تعرفها بأنها تكون جارية على الموصوفين. ومثال جريانها قولك: هذا رجل عالم، ورأيت رجلًا عالمًا، ومررت برجلٍ
1 / 94
عالم. وكذلك كل صفة من نحو آكل وشارب ونحوهما من صفات الفعلية. وأحمر وأصفر ونحوهما من صفات الحلية. ومصري ومغربي ونحوهما من صفات النسبة. كل هذه صفات لأنها جارية على الموصوفين.
والمعاني تعرفها بأنها مصادر كالعلم والقدرة، مصدر علم علمًا، وقدر قدرة. ولا تجري هذه صفات كالتي قبلها. لا تقول: هذا رجل علم، كما تقول: هذا رجل عالم. فإذا أردت ذلك ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تأتي بـ «ذي» التي بمعنى «صاحب»، فتقول: هذا رجل ذو علمٍ، ورأيت رجلًا ذا علمٍ، ومررت برجل ذي علمٍ.
والوجه الثاني: أن تقول: هذا رجل له علم. فيكون «علم» مبتدأ، و«له» خبرًا مقدمًا [عليه]، والجملة في موضع [رفع على] الصفة لرجل. والكلام جملتان. فـ «هذا» مبتدأ، و«رجل» خبره، و«له علم» جملة ثانية في موضع الصفة لرجل لا تتغير في نصب ولا جر. تقول في النصب: رأيت رجلًا له علم، فموضع الجملة [الثانية] نصب. وتقول في الجر: مررت برجلٍ له علم، فموضع الجملة الثانية جر أيضًا، نعت لرجل. وليس للجملة الأولى موضع من الإعراب. لأن الجمل التي لها موضع من الإعراب ثلاث، الجملة التي تكون خبرًا لمبتدأ، والجملة التي تكون صفة، والجملة التي تكون حالًا. فالجملة التي تكون صفة قد مثلناها. والتي تكون خبرًا كقولك: هذا أبوه منطلق، فـ «أبوه» منطلق جملة من مبتدأ [وخبر في موضع رفع خبر لـ «هذا» الذي هو مبتدأ أول، «وأبوه» مبتدأ] ثانٍ، و«منطلق» خبر للأب، والأب وخبره خبر «هذا» والجملة التي تكون حالًا نحو قولك: هذا زيد أبوه منطلق. فـ «هذا» مبتدأ،
1 / 95
و«زيد» خبره، و«أبوه منطلق» جملة من مبتدأ وخبره في موضع نصب على الحال. كأنك قلت: هذا زيد منطلقًا أبوه، أي أشرت إليه في حال انطلاق أبيه.
[٤] فقد بان/ لك [معرفة] الجمل التي لها موضع من الإعراب، من الجمل التي لا موضع لها من الإعراب. وهذا يأتي في موضعه مستوفى إن شاء الله تعالى. وإنما ذكر هذا القدر لما ذكر الاسم الذي هو معنى، وكيف يصح أن يوصف به. وقد بان [لك] أنه إن وصفت به على طريق الإفراد قلت: هذا رجل ذو علم. وإن وصفت به على طريق الجملة قلت: هذا رجل له علم. وإن وصفت به على طريق الاتساع والمبالغة، على حد قولهم: هذا رجل عدل، وهذا رجل رضى، فإنك تقول على هذا: هذا رجل علم. كأنه لكثرة علمه وفهمه جعلته نفس العلم. كما جعلته عدلًا لما كثر عدله، ورضى لما كثر الرضى عنه [ألا ترى أنك لو قلت قولًا محققًا قلت: هذا رجل مرضي عنه فطال [ذلك]، وعرفت الأشخاص بما قدمته لك، فليس يخرج عن ذلك اسم ظاهر معرب.
وأما قولنا: «وإنما لقب هذا النوع اسمًا لأنه سما بمسماه فأوضحه وكشف
1 / 96
معناه». فإن هذه طريقة البصريين، لأن الاسم عندهم مشتق من السمو، والسمو هو العلو. فالاسم هو الذي أبان عن المسمى، شخصًا كان أو صفة أو معنى، فرفعه إلى العقل وأخرجه إلى الوجود. فلولا الاسم لما عرف المسمى. وقال الكوفيون: إن الاسم إنما سمي اسما لأنه اشتق من السمة التي هي العلامة. والصحيح هو [القول] الأول أن اشتقاقه من السمو. لأن لام السمو واو تكون أخيرًا، وفاء السمه واو تكون أولًا، من وسمت [اسم] سمة. فلو كان الاسم مشتقًا من السمة لوجب أن يقال في جمعه «أوسام»، وفي قوله «أسماء» دليل على أن أصله «أسماو»، وقلبت الواو الأخيرة همزة [لأن قلبها ألفا] بعد أن قلت ألفًا.
ودليل آخر، وهو قولهم في تصغير اسم «سمي» وأصله «سميو»، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. ولو كان من السمة لوجب أن تقول فيه «وسيم» أو «أسيم»، فتقع الواو أولا. فإن شئت أقررتها [على حالها] وإن شئت همزتها على حد «وقتت» و«أقتت». وفي عدم ذلك وأنه لم يقل دليل على أنه مشتق من السمو [لا من السمه].
1 / 97
وأما قولنا: «وقسمة الأسماء [كلها] ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وما بينهما وهو يسمى المبهم».
فإن هذا جواب [عن] القسمة التي تعرف بها الجملة، فتنحصر لك الأسماء كلها، ولا يشذ عنك شيء منها. فإن قيل: فما الحاجة إلى قسمتها ثلاثة، وألا جعلت كلها ظاهرة أو مضمرة [أو أسماء إشارة]؟ . قيل: لكل واحد من ذلك غرض صحيح. فالغرض بالأسماء الظاهرة البيان [عن ذات المسمى] كرجل وزيد. والغرض بالأسماء المضمرة الاختصار من نحو: أنا وأنت وهو. والغرض بأسماء الإشارة التنبيه من نحو: ذا [وذه] وذان وتان وألاء. والغرض بكل واحد من هذه الثلاثة غرض صحيح لا يغني عنه الآخر. ولا يخلو كل اسم ظاهر من جواز الثلاثة فيه.
وأما قولنا: «أما الظاهر فهو كل ما دل بظاهره وإعرابه على المعنى المراد به».
1 / 98
فإن الدلالة دلالتان: دلالة تدل دلالة الذات، ودلالة تدل دلالة الإعراب. فدلالة الذات هي التي تدل على ذات الشيء في نفسه. ودلالة الإعراب هي التي تدل على عوارضه التي تعرض فيه. ألا ترى أنك إذا قلت: ما أحسن زيد [بإسكان النون والدال]، يفهم من «زيد» معنى الشخصية، وهي ذاته. ولا يعرف ما قصدت [إليه] من المعاني، من نفي الإحسان عنه، أو إثبات الحسن له، أو الاستفهام عن ذلك. فإذا أردت النفي قلت: ما أحسن زيد، برفع «زيد». وإذا أردت إثبات الحسن [له] على طريق التعجب قلت: ما أحسن زيدًا، بالنصب. وإذا أردت الاستفهام جررت «زيدا» ورفعت «أحسن» فقلت: ما أحسن زيد؟ . فهذه معانٍ ثلاثة لم يفرق لك بين كل واحد منها وبين الآخر إلا الإعراب. فبان لك أن الاسم الظاهر ما دل بظاهره وإعرابه على المعنى المراد به. وبان لك شدة الحاجة إلى معرفة الإعراب كمعرفة الذات. وكما لا يصح أن تجهل معرفة الذات فيما هذه سبيله، كذلك لا يصح أن تجهل معرفة الإعراب.
لأن البيان مرتبط بهما جميعًا.
وأما قولنا: «وجملة الأسماء الظاهرة المعربة عشرة أنواع».
فإنه لما كانت الأسماء على أنواع كثيرة، من أسماء صحيحة، وأسماء معتلة. وأسماء مفردة، وأسماء مضافة. وأسماء منصرفة، وأسماء غير منصرفة. [وأسماء منقوصة، وأسماء غير منقوصة. وأسماء مقصورة، وأسماء غير مقصورة]. وأسماء مثناة، [وأسماء غير مثناة]. وأسماء مجموعة [جمع السلامة]،
1 / 99
[وأسماء مجموعة جمع التكسير]، ولكل واحد من ذلك حكم في الإعراب يخالف الآخر، وجب أن يجمل ذلك على ما ذكرنا من قولنا، ثم يفسر ليقع الحصر. وأن يبدأ بالأقوى فالأقوى على ما يأتي بيانه [إن شاء الله تعالى].
[٥] فلذلك قلنا: «منها نوع أول يدخله الرفع والنصب والجر/ والتنوين. وذلك كل اسم مفرد صحيح منصرف». وقولنا: «مفرد» احتراز من التثنية والجمع [السالم، لأن إعرابه كإعراب التثنية والجمع] بالحروف لا بالحركات. [ما خلا جمع التكسير فإن إعرابه كإعراب الأسماؤ المفردة]. وقولنا: «صحيح» احتراز من المعتل الذي آخره ياء [خفيفة قبلها كسرة] كالقاضي والداعي. أو ألف كالفتى والمولى. فإن هذا لا يدخله رفع ولا جر. وقولنا: «منصرف» احتراز مما لا ينصرف [مثل أحمد وأحمر]. لأن ما لا ينصرف لا يدخله تنوين ولا جر. وكل ما كان على هذا الشرط دخله الرفع والنصب والجر والتنوين، لأنه متمكن أمكن لم يعرض فيه ما يخرجه من التمكن، فاستوعب الإعراب كله. مثل: هذا فلس وفرس، ورأيت فلسًا وفرسًا، ومررت بفلس وفرس.
وأما قولنا: «مثل: فلسٍ، وفرسٍ، وكتفٍ، وعضدٍ، وحبرٍ، وعنبٍ، وإبلٍ، وقفلٍ، وصردٍ، وعتقٍ».
فإن هذه الأمثلة العشرة كلها ثلاثية. وهي جامعة لأصول الثلاثي كله. ورتبت هذا الترتيب لأنه بديء بالأخف فالأخف منها. فأخفها فعل مثل فلس،
1 / 100
بفتح الأول وسكون الثاني. وفرس أخف من كتف، لأن المفتوح العين أخف من المكسور العين. وكتف أخف من عضد. لأن المكسور العين أخف من المضموم العين. فهذه أربعة أمثلة أولها مفتوح.
ثم ننتقل إلى المكسور الأول الساكن الثاني وهو خبر فتجده أخف من عنب. ثم عنب [فتجده] أخف من إبل، لأن الكسرة الواحدة أخف من الكسرتين. ثم ننتقل إلى المضموم الأول [الساكن الثاني] وهو قفل فتجده أخف من صرد. ثم صرد. [فتجده] أخف من عنق. وعلى هذا الترتيب. فكملت عشرة. وعرفت وجه ترتيبها، والعلة في كثرتها [وكون بعضها أخف من بعض].
وأما قولنا: «ومثل: جعفر، وزبرج، وبرثن، ودرهم، وقمطر وجخدب [عند الأخفش]».
فإن هذه الأمثلة الستة أوزان لجميع أصول الرباعي. ووزن كل واحد غير وزن الآخر. لكنه يجمعها كلها كونها رباعيةً. كما أن العشرة الأول
1 / 101
مختلفة الأوزان ويجمعها كلها كونها ثلاثية.
وأما قولنا: «ومثل: سفرجلٍ، وقرطعبٍ، وجحمرشٍ، وقذعملٍ».
فإن هذه الأمثلة الأربعة أوزان لجميع أصول الخماسي. ووزن كل واحد غير وزن الآخر يجمعها كلها كونها خماسية.
فقد صار أمثلة [الأسماء] الأصول كلها عشرين مثالًا. عشرة ثلاثية، وستة رباعية، وأربعة خماسية. وليس في شيء منها خلاف إلا [في] وزن جخدب. فإن الأخفش. بضم الدال بوزن فعلل كبرثن.
وأما قولنا: «وكل ما جاء من هذه الأسماء [وشبهها] بعد «نفعنى» وشبهه فهو فاعل مرفوع. وكل ما جاء منها بعد «نفعت» وشبهه فهو مفعول منصوب. وكل ما جاء منها بعد «انتفعت بكذا أو من كذا» [وشبهه] فهو مجرور».
فإن القصد بهذا التمثيل تعريف التصرف في إعراب هذه المثل العشرين. وما أشبهها من جميع الأسماء الظاهرة الصحيحة المفردة المنصرفة لتنصرف في ذلك. ولما كانت [هذه] الأسماء لا تخلو من أن تكون مرفوعة أو منصوبة
1 / 102
أو مجرورة - والرفع إنما يكون للفاعل وما أشبهه، والنصب إنما يكون للمفعول وما أشبهه، والجر إنما يكون بحرف الجر وما أشبهه - مثل لكل واحد من ذلك بمثال لتقيس عليه سائر المثل. فنفعني وشبهه، من ضربني وخاطبني وحدثني، فعل ومفعول [مضمر]، وليس بعد الفعل والمفعول إلا الفاعل. ولذلك وجب أن يكون مرفوعًا. ونفعت وشبهه، من ضربت وخاطبت وحدثت، فعل وفاعل [مضمر]، وليس بعد الفعل والفاعل إلا المفعول. فلذلك وجب أن يكون منصوبًا. وانتفعت بكذا أو من كذا وشبهه من قولك لكذا أو إلى كذا أو عن كذا أو على كذا، فجميع ذلك حروف جر، وليس بعد حرف الجر إلا المجرور. فلذلك وجب أن تقول: نفعني زيد، ونفعت زيدًا، وانتفعت بزيدٍ. وكذلك حكم الرباعي والخماسي في الإعراب.
وأما قولنا: «وكل ذلك إذا وصل بكلام [بعده] ثبت فيه تنوينه وحركته. وإذا وقف عليه سقط منه تنوينه وحركته غالبًا. ما خلا النصب فإنه يبدل من التنوين فيه ألف».
فإن الإعراب له حالتان، حال وصل، وحال وقف. فحال الوصل يقتضي ثبات الإعراب للبيان. وحال الوقف يقتضي زوال الإعراب للاستراحة.
1 / 103
فلذلك قيل: إذا وصل بكلام ثبت فيه تنوينه وحركته [وإذا وقف عليه سقط منه حركته وتنوينه]. فثبات حركته دليل على رفعه أو نصبه أو جره، وثبات تنوينه دليل على صرفه. وإذا وقف عليه زالت الحركة، ثم تبع الحركة التنوين في الزوال، لأن التنوين تابع للحركة، ولما زالا سكن حرف الإعراب، [٦] فقلت في الرفع: نفعني زيد. وفي الجر: انتفعت / بزيد.
وإنما قلنا «غالبا» احترازًا من وجوه أخر تجوز في الوقف على المرفوع، وهي الإشمام والروم والتضعيف ونقل الحركة. والسكون هو الأصل الأغلب الأكثر من هذه الوجوه فلذلك قلنا «غالبا». فمن سكن فهو الأصل لأنه سلب الحركة [بالجملة]. ومن أشم أو رام أو نقل أو ضاعف فإنما هو حرص على بيان الحركة التي كانت في الوصل. وأما المنصوب فليس فيه في الغالب إلا وجه واحد، وهو أن تبدل من التنوين ألفًا. وإنما تثبت الحركة في المنصوب [في الوقف] لخفتها. وأبدل من التنوين ألف للفرق بين حال الوقف والوصل. ولئلا يلتبس بالنون الأصلية والملحقة. وكل من أسقط الإعراب في الوصل
1 / 104
[فهو] مخطيء. وكل من أثبته في الوقف مخطيء أيضًا. فلذلك شرط [هذا] الشرط المذكور.
وأما قولنا: «ومنها نوع ثانٍ يدخله الرفع والنصب والجر من غير تنوين. وهو جميع ما ذكرناه إذا كان مضافًا إلى غير ضمير متكلم، أو فيه ألف ولام».
فإن هذا النوع [هو] الثاني من الأنواع العشرة. وليس ينقص عن القسم الأول إلا حذف التنوين. وإنما لم يجمع بين «الألف واللام» والتنوين من قبل أن «الألف واللام» دليل على التعريف، والتنوين في الأصل دليل التنكير فلم يجمع بينهما. فلذلك قلنا: نفعني الغلام، ونفعت الغلام، وانتفعت بالغلام. وكذلك الإضافة لا يجمع بينها وبين التنوين، لأن التنوين دليل الانفصال، والإضافة دليل الاتصال، ولا يكون الشيء منفصلًا متصلًا في حال [واحد]. فلذلك تقول: نفعني غلام الرجل، وغلامه وغلامك. وإنما قلنا: «إذا كان مضافًا إلى غير [ضمير] المتكلم» احترازًا من مثل «غلامي»، فإن هذا [ونحوه] لا يدخله إعراب بحال. لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا إذا كان حرفًا صحيحًا، تقول: نفعني غلامي، ونفعت غلامي، وانتفعت بغلامي.
1 / 105
وأما قولنا: «ومنها نوع ثالث يدخله الرفع والنصب ولا يدخله الجر ولا التنوين. وهو كل اسم غير منصرف مما قد اجتمع فيه علتان فرعيتان من علل تسع. أو ما يقوم مقامهما. مثل: إبراهيم، وزينب وطلحة، وعمر، وعثمان، وأحمد، وحضرموت، وأحمر، وحمراء، وأحاد، وسكران، وسكرى، ومساجد».
فإن هذا هو النوع الثالث. وهو ينقص عما تقدمه بشيئين، وهما الجر والتنوين. وإنما نقص ذلك لأن كل ما لا ينصرف مشبه للفعل. والفعل لا يكون فيه جر ولا تنوين. وإنما أشبه الفعل لأنه قد اجتمع فيه علتان فرعيتان. وإنما وجب أن يكون مشبهًا للفعل - باجتماع علتين فرعيتين فيه - من قبل أن الفعل نفسه فرع على الاسم. وإنما كان فرعًا على الاسم من وجهين. أحدهما: أن الفعل لا يستقل بنفسه ولابد له من اسم يكون معه. والاسم قد يستقل بنفسه ولا فعل معه. فدل ذلك على أن الفعل فرع على الاسم ومحمول عليه. والجهة الأخرى: أن الأفعال مشتقة من المصادر التي هي أسماء عند المحققين من أصحابنا. وإذا كانت مشتقة منها كانت فرعًا عليها. فقد ثبت أن الأفعال فروع من الأسماء من الوجهين المذكورين.
وإذا وجد في الاسم علتان فرعيتان صار بتلك العلتين الفرعيتين مشبهًا للفعل الذي هو فرع على الاسم.
وبيان ذلك أن علل ما لا ينصرف تسع. وتلك التسع هي: التعريف، والتأنيث، والتركيب، والعجمة، والزنة، والصفة، والجمع، والعدل، والألف
1 / 106