238

شرح مختصر الروضة

محقق

عبد الله بن عبد المحسن التركي

الناشر

مؤسسة الرسالة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٧ هـ / ١٩٨٧ م

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُعَامَلَةَ مَنْ يَرْجُو مِنْهُمْ، أَوْ لَهُمْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: التَّقْوَى أَوْ إِحْدَاثَ الذِّكْرَى، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِالتَّقْوَى بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، أَوْ بِالذِّكْرِ بِوَاسِطَةِ التَّقْوَى، لِأَنَّ مَنْ حَدَثَ لَهُ ذِكْرٌ وَنَظَرٌ، اتَّقَى اللَّهَ غَالِبًا، كَمَا سَبَقَ.
وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النَّحْلِ: ٧٧]، ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٤٧]، ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النَّجْمِ: ٩] فَقَالَ: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ «أَوْ» فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، بِمَعْنَى بَلْ، عَلَى مَذْهَبِ التَّدَارُكِ لِكَلَامٍ غُلِطَ فِيهِ. قَالَ: وَلَيْسَ كَمَا تَأَوَّلُوا، بَلْ هِيَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِمَعْنَى الْوَاوِ.
قُلْتُ: وَتَوْجِيهُ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى أَصْلِ الْبَابِ.
أَمَّا قَوْلُهُ ﷾: ﴿كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ فَمَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: لَوْ كَشَفَ لَكُمْ عَنْ أَمْرِ السَّاعَةِ وَسُرْعَتِهِ، لَتَرَدَّدْتُمْ: هَلْ هُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾، فَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِيهَا قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِمَعْنَى بَلْ يَزِيدُونَ، وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى ... وَصُورَتُهَا أَوْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ
أَيْ: بَلْ أَنْتِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى أَصْلِهَا فِي التَّرَدُّدِ وَالشَّكِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ: أَيْ: لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ، لَتَرَدَّدْتُمْ. هَلْ هُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ؟ قَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ كَقَوْلِهِ ﷿:

1 / 289