194

شرح مختصر الروضة

محقق

عبد الله بن عبد المحسن التركي

الناشر

مؤسسة الرسالة

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٧ هـ / ١٩٨٧ م

احْتُجَّ بِأَنَّ تَارِكَ الزِّنَى مَمْدُوحٌ، حَتَّى مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ ضِدِّيَّةِ تَرْكِ الزِّنَى، فَلَيْسَ إِلَّا الْعَدَمُ.
قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، بَلْ إِنَّمَا يُمْدَحُ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ.
ــ
«احْتَجَّ» أَبُو هَاشِمٍ عَلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، «بِأَنَّ تَارِكَ الزِّنَى مَمْدُوحٌ، حَتَّى مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ ضِدِّيَّةِ تَرْكِ الزِّنَى» أَيْ: يُمْدَحُ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّ تَرْكَ الزِّنَى ضِدٌّ لِلزِّنَى، بَلْ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ ذَلِكَ، وَمُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ فِي النَّهْيِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْمُكَلَّفِ، وَقَصْدُ الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ تَصَوُّرِهِ، وَتَصَوُّرُ ضِدِّ الشَّيْءِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْهُ مُحَالٌ، فَإِذَنْ «لَيْسَ» مُتَعَلِّقُ مَدْحِ تَارِكِ الزِّنَى، وَلَا مُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ بِتَرْكِهِ «إِلَّا الْعَدَمُ» .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَمْنُوعٌ، بَلْ إِنَّمَا يُمْدَحُ تَارِكُ الزِّنَى عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ فِعْلٌ كَمَا سَبَقَ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَفَّ نَفْسِهِ عَنِ الزِّنَى، لَيْسَ مُتَعَلِّقَ مَدْحِهِ عَلَى تَرْكِهِ، لَكِنْ، لَا نُسَلِّمُ تَصَوُّرَ غَفْلَتِهِ عَنْ ضِدِّيَّةِ تَرْكِ الزِّنَى لِلزِّنَى، لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا، أَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ، هُوَ الْإِعْرَاضُ الْبَدَنِيُّ أَوِ الْقَلْبِيُّ عَنْهُ، وَالْإِعْرَاضُ فِعْلٌ، فَمَنْ تَرَكَ الزِّنَى، فَقَدْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَذَلِكَ الْإِعْرَاضُ فِعْلٌ، وَفِعْلُ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ

1 / 245