شرح مختصر الروضة
محقق
عبد الله بن عبد المحسن التركي
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٠٧ هـ / ١٩٨٧ م
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَيُرْوَى: عُفِيَ لِأُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: «وَالْعَدْلُ الشَّرْعِيُّ الظَّاهِرُ» إِشَارَةٌ إِلَى سِرِّ الْقَدَرِ وَنُكْتَتِهِ الَّتِي تَاهَتْ فِيهَا الْعُقُولُ، وَتَقْرِيرُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلَّهِ ﷾ فِي خَلْقِهِ تَصَرُّفَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَكْوِينِيٌّ بِحُكْمِ إِيجَادِهِ وَاخْتِرَاعِهِ لَهُمْ، فَبِذَلِكَ التَّصَرُّفِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَغَيْرِهِ، وَ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٣]، وَهُوَ عَدْلٌ بَاطِنٌ، لِمَا سَنُقَرِّرُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالتَّصَرُّفُ الثَّانِي: تَكْلِيفِيٌّ بِحُكْمِ اسْتِدْعَائِهِ مِنْهُمُ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَعَاصِي.
فَفِي هَذَا التَّصَرُّفِ، سَلَكَ مَعَهُمْ مَسْلَكَ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ مُحَالًا فِي الظَّاهِرِ، بَلْ أَزَاحَ جَمِيعَ عِلَلِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الْمَحْرَمُ، فَلَا يُوجَبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ، وَالرَّجُلُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَحْمَلٌ يَسْوي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ الْحَجِّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّخْفِيفَاتِ، وَلَمْ يُوجَدْ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَلَا الْأُصُولِ إِلَّا مَسْأَلَةَ خَلْقِ الْأَفْعَالِ، وَهِيَ مِنَ التَّصَرُّفِ الْأَوَّلِ، لَا مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ. وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ الظَّاهِرُ، فَمُقْتَضَاهُ: أَنْ لَا يُكَلَّفَ الْمُكْرَهُ، لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْفِعْلِ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ ﷾: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٥] .
الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ تَقْرِيرِ نُكْتَةِ الْقَدَرِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ ﷾ عَالِمٌ بِمَا كَانَ،
1 / 201