شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار

محمد حسن عبد الغفار ت. غير معلوم
83

شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار

تصانيف

حكم الخوض في عرضه ﷺ يبقى لنا أن نتكلم على أزواج النبي ﷺ، فإذا قلنا بحرمة عرض النبي ﷺ فسنقول بحرمة الكلام على النبي ﷺ على نفس الخلاف. فنقول: عرض النبي ﷺ لا بد أن يكون محفوظًا، وهذا يتمثل في أزواج النبي ﷺ، فأزواج النبي ﷺ هن الفضليات الكريمات الصالحات العابدات القانتات أمهات المؤمنين والمؤمنات ﵅ أجمعين. وقد جعل الله جل في علاه مكانتهن بمكانة النبي ﷺ، فقال تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [الأحزاب:٣٢]؛ لأنكن تتفوقن على جميع النساء. وقال الله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب:٦] حتى إن فاطمة تقول لـ عائشة أم المؤمنين: يا أمي! مع أنها تكبر عائشة بثمان سنوات؛ وما هذا إلا لأنها أم المؤمنين ﵂ وعن فاطمة. والغرض المقصود: هو أن الله جل في علاه جعل لهن المكانة العالية، فمن تجرأ على عرض واحدة منهن وبالذات على عائشة فقد كفر؛ لأنها مبرأة من فوق سبع سموات، وقد خاض المنافقون في عرضها، فأنزل الله براءتها من فوق سبع سموات فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور:٢٣] إلى أن قال: ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور:٢٦] والمقصودة بهذه الآية وبالإجماع: عائشة ﵂ وأرضاها؛ (لأن النبي ﷺ دخل عليها وهي تبكي فتصبب عرقًا ونزل عليه الوحي فقرأ الآيات وقال لـ عائشة: أبشري فإن الله قد برأك من فوق سبع سموات، فقالت أم رومان: قومي فاحمدي رسول الله ﷺ، فقالت: والله لا أحمد إلا رب محمد ﷺ فذهبت وسجدت لله شكرًا). فمن تجرأ على عرض عائشة ﵂ وأرضاها فقذفها بالزنا، أو كما يفعل الرعاع مثلًا فيسمون البقرة بهذا الاسم فهو كافر كفرًا أكبر يخرج من الملة وكفره ظاهر جلي، وأقول زيادة على ذلك: إن من لم يكفره فهو كافر، فمن سمع أحدًا يقذف عائشة في عرضها ﵂ وأرضاها وسكت دون خوف أو إكراه واستطاع الرد فلم يرد فهو كافر خارج من الملة فضلًا عن الذي قذف عائشة ﵂ وأرضاها. والدلالة على ذلك من وجهين: الوجه الأول: هو تكذيب الله جل في علاه، فمن قذف عائشة بفعل الفاحشة فقد كذب الله، والله جل في علاه يقول: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء:١٢٢]. ويقول: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء:٨٧]، فإن الله جل في علاه هو الذي برأها بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور:٢٦]. فالوجه الأول في تكفير من وقع في عرض عائشة: هو أنه كذب الله جل في علاه. والوجه الثاني: أنه تجرأ على عرض رسول الله ﷺ فآذى رسول الله، وقد قام النبي ﷺ خطيبًا في الناس -عند ما سمع الكلام على عائشة من عبد الله بن أبي بن سلول - فتكلم عن رجل يسبه في عرضه وفي زوجه وما علم عن زوجه إلا الخير، فقام أسيد بن حضير فقال: يا رسول الله! إن كان منا ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا أشرت إلينا ماذا نفعل فيه، فقام سعد بن عبادة فقال: لا والله لا تستطيع قتله، فقام أسيد فقال له: والله إنك لمنافق تجادل عن المنافقين، فكاد الحيان أن يقتتلا من أجل هذه المسألة. والشاهد فيها: أن النبي ﷺ قال: (بلغني الإيذاء في أهلي) فالإيذاء للنبي ﷺ كفر كما بينا من صريح قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [الأحزاب:٥٧] واللعن: هو الطرد من رحمة الله جل في علاه. أما سائر أمهات المؤمنين والباقيات الفضليات من أزواج النبي ﷺ فقد اختلف العلماء في حكم من تجرأ عليهن، وهذا الخلاف ضعيف، والحق أن يقال: إن الحكم هذا يجري على الباقي من نسائه ﷺ، وإنما خصصت عائشة بالذكر لأن المنافقين خاضوا فيها، فمن تكلم في أي امرأة تزوجها النبي ﷺ فهو كافر؛ لأنه أوصل الأذى للنبي ﷺ، فالفارق إذًا: بين سائر أزواج النبي ﷺ وبين عائشة: أن من وقع في عائشة فإنه يكفر من وجهين: الوجه الأول: تكذيب القرآن. والوجه الثاني: إيذاء النبي ﷺ. أما سائر أزواج النبي ﷺ فإنه يكفر من وجه واحد: وهو إيذاء النبي ﷺ. والغرض المقصود: أنه لا بد أن تعرف لنساء النبي ﷺ قدرهن، وتعلم أنهن من مكانة رسول الله ﷺ، وأن الوقوع في عرض واحدة من أزواج النبي ﷺ يستوجب الكفر لمن تجرأ على ذلك. بقي علينا أن نختم الباب والكتاب بالكلام على فضل الصحابة ﵃ وأرضاهم، ثم الكلام على من وقع فيهم، ثم الكلام بعد ذلك على حكم من طعن في أبي بكر وعمر بالذات.

7 / 7