شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)
محقق
د. عبد الحميد هنداوي
الناشر
مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
٢١_ وفي رواية عن ابن عباس: (وأما شتمه إياي فقوله: لي ولد، وسبحاني أن
أتخذ صاحبة أو ولدًا). رواه البخاري.
ــ
وكذلك قوله: (أنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد) أوصاف مشعرة بعلية الحكم. أما
قوله: (الأحد) فإنه بنى لنفى ما يذكر معه من العدد، فلو فرض له ولد يكون مثله، فلا يكون
أحدا، ولذلك قال حق النبي ﷺ: (ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم) أنه لو كان له
ولد لكان مثله نبيا، فلم يكن إذا خاتم النبيين، وهذا معنى الاستدراك في قوله: (ولكن رسول الله
وخاتم النبيين). (الصمد) هو الذي يصمد إليه في الحوائج، فلو كان له ولد لشرك فيه،
فليزم إذا فساد السموات والأرض، وقوله: (كفوا) أي صاحبة، ولا ينبغي له؛ لأنه لو فرض ذلك
للزم منه الاحتياج إلى قضاء الشهوة، وكل ذلك وصف له بما فيه نقض وإزراء، وهذا معنى
الشم، فالأحد ذاتي، والصمد إضافي والثالث سلبي.
فإن قلت: أي الأمرين أعظم؟ قلت: كلاهما عظيم، لكن التكذيب أقدم لما سبق أن المكونات
لم تكن إلا للجزاء، فمن أنكر الجزاء لزم منه العبث في التكوين، أو إعدام السموات والأرض؛
فينتفي بذلك سائر الصفات الكمالية التي أثبتها الشرع؛ فيلزم منه التعطيل، على أن الصفات
الثبوتية إذا انتفت يلزم منه انتفاء الذاتية والسلبية أيضًا.
قوله: (أولدا) هكذا هو في البخاري ونسخ المصابيح، وفي الحميدى: (ولا ولدًا) وزيد (لا) لما
في سبحانى من معنى التنزيه. وفي الجامع (وولدًا). وقالوا: إن هذا الحديث كلام قدسي،
والفرق بينه وبين القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل ﵇ للإعجاز عن الإيتان
بسورة من مثله، والحديث القدسي إخبار الله تعالى نبيه ﷺ معناه بإلهام، أو بالمنام، فأخبر النبي
ﷺ أمته عن ذلك المعنى بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفه إلى الله تعالى ولم يروه عنه،
كما أضاف وروى القدسي.
أقول: فضل القرآن على الحديث القدسي هو أن القدسي نص إلهي في الدرجة الثانية، وإن
كان من غير واسطة ملك غالبا؛ لأن المنظور فيه المعنى دون اللفظ، وفي التنزيل اللفظ والمعنى
منظوران، فعلم من هذا مرتبة بقية الأحاديث.
ــ
2 / 470