شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)
محقق
د. عبد الحميد هنداوي
الناشر
مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
٢٠_ وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: (قال الله تعالى: كذبني ابنُ
آدم ولم ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياى فقوله: لن
يُعيدني كما بداني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته. وأما شتمه إياى:
فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا
أحد).
وكما تعلق العقل والدين بالخصلتين السابقتين كما بيناه تعلقا بقوله: (أذهب للب الرجل
الحازم) على طريقة التفريط في جانبيهن، والإفراط في جانب الرجل حيث وصفه بالحزم، ولو لم
يكن للحازم سوى قوله تعالى: (من خشى الرحمن بالغيب) لكفى به مدحا، يعنى بلغ من
حزمه أنه يخشى من هو واسع الرحمة، مولى جلائل النعم وعظامها، فكيف خشية من وصف
القهارية؟ ومن هو ثم ورد في الحديث: (الحزم سوء الظن) وذلك أن المتقى ذا الحجى والنهية
يرجح جانب الحزم في كل شي؛ لأن من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وعليه يبنى
معظم أساس قاعدة العارفين في معاملتهم للنفس الأمارة، ومعظم مكايد الحروب.
والغرابة فيه أنه جعل هذا الرجل الكامل الحازم منقادًا مسترسل الزمام لتلك الناقصات
الحائزات للرذيلتين، وكأن جريرًا رمز إلى هذا المعنى بقوله:
إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
فهو من [أسلوب الرجوع]، يعنى أنتن وما فيكن من تينكن الرذيلتين خلقتن ناعمات
سالبات لنهبة الرجل الكامل بجمالكن ودلالكن. وإفراد الرجل إشارة إلى أن حبهن من جبلة
الرجال، وأنهن مزينات لهم، كقوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء). ويجوز أن
يكون من [أسلوب الاستتباع] ذمهن بالرذيلتين، بحيث استتبع منه ذما آخر وهو سلب لب
الحازم بالخداع ولطائف الحيل، وفي عكسه فعل أبو الطيب.
نهبت الأعمار ما لو حويته ... لهنيت الدنيا بأنك خالد
مدحه بالشجاعة بحيث استتبع منه صلاح الدنيا بحسن تدبيره، فالجواب من الأسلوب
ــ
2 / 467