شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)
محقق
د. عبد الحميد هنداوي
الناشر
مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله عليه في الدنيا؛ فهو إلى الله: إن
شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك. متفق عليه.
ــ
والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع، ونهى عنه، من المحسنات والمقبحات، وهو من
الصفات الغالبة). قوله: (ولا تأتوا ببهتان تفترونه) فإن قلت: ما معنى الإطناب؟ حيث قال:
تأتوا، ووصف البهتان باالافتراء والبهتان من واد واحد، وهلا اقتصر على: ولا تبهتوا
الناس؟ قلت: معناه مزيد التقرير وتصوير شناعة هذا الفعل، وتعليق معنى زائدًا عليه، وذلك من
أربعة أوجه:
أولها: معناه: ولا تأتوا ببهتان من قبل أيديكم وأرجلكم، أي من قبل أنفسكم جناية
يفضحونهم بها وهم برءاه، واليد والرجل كنايتان عن الذات.
وثانيها: لا تبهتوا الناس بالعيوب كفاحا يشاهد بعضكم بعضا، كما يقال: فعلت هذا
بين يديك، أي بحضرتك، وهذا النوع أشد ما يكون من البهت.
وثالثهما: معناه: لا تفتروه ولا تنشئوه من ضمائركم؛ لأن المفترى إذا أراد اختلاق قول فإنه
يقدره ويقرره أولا في ضميره) ومنشأ ذلك ما بين الأيدي والأرجل من الإنسان، وهو القلب،
الأعضاء، كما يقال: فلان صنع عندي يدا، وله عندي يد.
ورابعها: نسبة الافتراء إلى اليد والرجل بسبب أنهن عوامل، وإن شاركها سائر
الأعضاء، كما يقال: فلان صنع عندي يدًا، وله عندي يد.
أقول: الوجه الأول والرابع متقاربان في المعنى، وهما كنايتان عن إلقاء بهتان من تلقاء أنفسهم
من غير أمارة، من قبيل قوله تعالى: (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم) أي أن هذا
البهتان يجري على ألسنتكم، ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم القلوب. والثاني
كناية عن الوقاحة وخرق جلباب الحياء، كما هو أدب الأوغاد والسلفه من الناس، ولذلك قيل:
هو أشد البهت. والثالث كناية عن إنشاء بهتان من دخيلة قلوبهم مبينا على الظن الفاسد والغش
المبطن. وقالوا: لفظ (ذلك) إشارة إلى ما سبق سوى الشرك، فإنه لا يكفر عنه بالقتل، ولا
ــ
2 / 463