بسم الله الرحمن الرحيم
صفحة ١
شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة لأبي منصور الحسن بن يوسف الحلي الشهير بالعلامة (648 - 726 ه. ق) المجلد الأول تأليف السيد علي الحسيني الميلاني
صفحة ٣
بسم الله الرحمن الرحيم تزخر خزائن مكتباتنا بالمخطوطات القيمة التي تضم ثقافة ثرة لإيران الإسلامية، وهي في جوهرها مآثر العلماء والنوابغ العظام والتي تمثل هويتنا نحن الإيرانيين. وإن المهمة الملقاة على عاتق كل جيل أن يبجل هذا التراث الثمين ويبذل قصارى جهده لإحيائه وبعثه للتعرف إلى تاريخه وثقافته وأدبه وماضيه العلمي.
ورغم جميع الجهود التي بذلت خلال العقود الأخيرة لاكتشاف الكنوز المخطوطة لتراث هذه الأرض والتحقيق والبحث اللذين انصبا في هذا المضمار، ونشر مئات الكتب والرسائل القيمة، فإن الطريق ما يزال طويلا حيث توجد آلاف الكتب و الرسائل المخطوطة المحفوظة في المكتبات داخل البلاد وخارجها مما لم يتم اكتشافه و نشره.
كما أن كثيرا من النصوص التراثية ورغم طبعها عدة مرات لم ترق إلى مستوى الأسلوب العلمي المتوخى للنشر، بل هي بحاجة إلى إعادة تحقيقها وتصحيحها إن إحياء ونشر الكتب والرسائل المخطوطة هو الواجب الملقى على عواتق المحققين والمؤسسات الثقافية، وإن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي وانطلاقا من أهدافها الثقافية، أسست مركزا لتسهم من خلاله وبدعها لجهود المحققين و الباحثين وبمشاركة الناشرين، في نشر التراث المخطوط، ولتقدم للنخبة المثقفة مجموعة قيمة من النصوص التراثية ومصادر التحقيق.
مكتب نشر التراث المخطوط
صفحة ٥
الإهداء إلى حامل لواء الإمامة الكبرى والخلافة العظمى ولي العصر المهدي المنتظر ابن الحسن العسكري يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين
صفحة ٧
إلفات نظر لهذا الشرح مدخل بعنوان (دراسات في منهاج السنة) يطبع في كتاب ضخم، وهناك تفصيل بعض ما أوجزناه هنا
صفحة ٩
كلمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين وبعد، إن الشيخ أبا منصور الحسن بن المطهر الحلي (726) علامة الشيعة على الإطلاق في جميع الآفاق، وكتبه من عمدة المراجع في المذهب في مختلف العلوم، من الفقه والأصول والفلسفة وغيرها.
وللعلامة الحلي - ره - كتب قيمة منها منهاج الكرامة في معرفة الإمامة الذي حوى - على صغره - أمهات المسائل الخلافية، التي أشار المؤلف إلى أدلة الإمامية فيها، تاركا الحكم بعد ذلك إلى القارئ البصير الباحث المنصف. وهذا الكتاب هو المردود بكتاب منهاج السنة للشيخ أحمد بن عبد الحليم الحراني المعروف بابن تيمية (728).
ولأهمية كتاب العلامة وضرورة مناقشة كلمات ابن تيمية، عمدت إلى شرحه وإثبات مطالبه وإزاحة الشبهات التي أثيرت حولها، فجاء كالمحاكمة بين المنهاجين وجامعا للأقوال والأدلة كما وردت في كتب علماء الفريقين المشهورة المعتمدة وفي كلمات أعلام من الجانبين، مع تحقيقات قيمة ومطالب عالية لا تخفى قيمتها عن أهلها.
وأما هذا الجزء الذي بين يدي القارئ، فهو القسم الأول من شرحنا المسمى النافع يوم القيامة وسيطبع المتن الكامل المحقق لكتاب منهاج الكرامة في نهاية الشرح في المجلد الثاني.
والله أسأل أن يوفقني لإتمامه وينفع به الباحثين عن الحق، إنه سميع مجيب.
علي الحسيني الميلاني 3 / رمضان المبارك / 1417
صفحة ١١
خطبة الكتاب
صفحة ١٣
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القديم الواحد، الكريم الماجد، المقدس بكماله عن الشريك والضد والمعاند، والمنزه بوجوب وجوده عن الوالدة والصاحبة والولد والوالد، أحمده حمد معترف بآلائه غير شاك ولا جاحد، وأشكره على إنعامه المتضاعف المتزايد، شكرا يعجز عنه الراكع والساجد، والصلاة على سيد كل زاهد وأشرف كل عابد، محمد المصطفى وعترته والأماجد، صلاة تدوم بدوام الأعصار والأوابد.
أما بعد، فهذه رسالة شريفة ومقالة لطيفة، اشتملت على أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة (1).
صفحة ١٥
التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة (١).
وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان، <div>____________________
<div class="explanation"> (وآله وسلم (١) والعلامة وصف " الإمامة " ب " أهم المطالب في أحكام الدين " و" أشرف مسائل المسلمين " و" أحد أركان الإيمان " ثم استشهد على ذلك بالحديث النبوي الآتي، وهذا السياق ظاهر بل صريح في أن المراد هو " الأهم " في حدود " الدين " وبالإضافة إلى غيرها من " مسائل المسلمين "... وهل يتحقق " الدين " ويصدق عنوان " المسلمين " إلا " بالإيمان بالله ورسوله "؟
فالمراد: كون " الإمامة " أهم المطالب بعد الإيمان بالله ورسوله، ولم يكن هذا بذاك الغموض حتى لا يفهمه ابن تيمية، فيورد عليه بما لا طائل تحته ويستدل - لكون الإيمان بالله ورسوله أهم - بما لا حاجة إليه.
(١) قال الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/9" target="_blank" title="سورة التوبة: 9">﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾</a> (٢) فبالتقوى والكون مع الصادقين تنال درجة الكرامة، وكلما يكون الإنسان أقرب إلى الصادقين بالجنان والجوارح يكون أكثر عبودية لله وامتثالا له في أوامره ونواهيه، فيكون أتقى، ومن كان أتقى كان أكرم، كما في الآية المباركة <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/49" target="_blank" title="سورة الحجرات: 49">﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾</a> (3). وبالجملة، إذا أدرك الإمامة وعرف الإمام ائتم به، فكان هذا الإدراك سببا لنيل درجة الكرامة، وكلما كان الانقياد أكثر كانت درجة الكرامة أعلى وأرفع).</div>
صفحة ١٦
والتخلص من غضب الرحمن (1)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " (2) خدمت بها خزانة السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، ملك ملوك طوائف العرب والعجم، مولى النعم، مسند الخير والكرم، شاهنشاه <div>____________________
<div class="explanation"> فهذا شرح هذا الكلام والدليل عليه، وهكذا يسقط قول ابن تيمية من " أن مجرد معرفة إمام وقته وإدراكه لا يستحق به الكرامة... ".
(1) وهذه هي الكرامة التي لا تحصل - بعد الإيمان بالله ورسوله - إلا بإدراك " الإمامة "، ولذا كانت أحد أركان الإيمان، بحيث تنتفي " الكرامة " بانتفاء أحدها. فإن قيل: فالإمامة آخر المراحل، فكيف تكون أهم وأشرف؟
قلنا: قد أشرنا إلى أن الإمامة نيابة النبوة، والنبوة من الله، كما أشرنا من قبل إلى أن الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين، والدين هو الإيمان بالتوحيد والرسالة، فسقط السؤال المذكور.
(2) حديث: " من مات... " من أصح الأحاديث المتفق عليها، وهذا أحد ألفاظه، وله ألفاظ أخرى ولا بد أن ترجع كلها إلى معنى واحد ومقصد فارد، وهو ما صرح به ونص عليه اللفظ فتأمل، كقوله: " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " وقوله: " من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية " وقوله " من مات وليس عليه طاعة إمام مات ميتة جاهلية " وقوله: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية " وقوله: " من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية " (1).</div>
صفحة ١٧
المعظم، غياث الحق والملة والدين، الجايتو خدابنده محمد (1).
خلد الله سلطانه، وثبت قواعد ملكه وشيد أركانه، وأمده بعنايته وألطافه وأيده بجميل إسعافه، وقرن دولته بالدوام إلى يوم القيامة.
قد لخصت فيها خلاصة الدلائل، وأشرت إلى رؤوس المسائل من غير تطويل ممل ولا إيجاز مخل، وسميتها:
(منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
ورتبتها على فصول:
<div>____________________
<div class="explanation"> (وهذا الحديث أحد الأدلة النقلية على أن الإمامة " أحد أركان الإيمان... " وعلى ذلك أدلة عقلية ونقلية غيره مذكورة في مظانها.
(1) السلطان محمد أولجايتو خان خدابنده ابن أرغون بن ابقاخان بن هولاكو ابن تولي بن جنكيز خان المغولي. و" أولجايتو " لقب له ومعناه:
السلطان الكبير المبارك. و" خدابنده " أي: عبد الله، وقيل: خربنده، أي: كبير العباد. ولد سنة 680 وتوفي سنة 716. وكان تشيعه - على المشهور - على يد العلامة سنة 708 في خبر ذكر في ترجمة العلامة من كتب التراجم. أنظر: أعيان الشيعة (1) وغيره. وقد أشار إلى الخبر الحافظ ابن حجر في ترجمته في الدرر (2).</div>
صفحة ١٨
الفصل الأول في نقل المذاهب في هذه المسألة
صفحة ١٩
ذهبت (1) الإمامية إلى أن الله تعالى عدل حكيم لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب، وأن أفعاله إنما تقع لغرض صحيح وحكمة، وأنه لا يفعل الظلم والعبث، وأنه رؤوف بالعباد يفعل بهم ما هو الأصلح لهم والأنفع، وأنه تعالى كلفهم تخييرا لا إجبارا، ووعدهم الثواب وتوعدهم بالعقاب على لسان أنبيائه ورسله المعصومين، بحيث لا يجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي، وإلا لم يبق وثوق بأقوالهم وأفعالهم فتنتفي فائدة البعثة.
<div>____________________
<div class="explanation"> الوجه في التعرض لمسائل القدر ونحوها:
(1) اعترض عليه ابن تيمية بأن: إدخال مسائل القدر والتعديل والتجويز في هذا الباب كلام باطل من الجانبين، لأنها مسائل لا تتعلق بالإمامة...
قلت: صحيح أن هذه المسائل لا علاقة لها مباشرة بالإمامة، ولذا لم يتعرض لها العلامة في هذا الكتاب ولم يفصل الكلام في إثباتها فيه، فإنه مصنف في الإمامة، غير أنه أشار إلى تلك المسائل هنا مقدمة للقول بوجوب نصب الإمام على الله، فإن مذهب الإمامية هو أن مقتضى عدل الباري وحكمته، وأنه لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب... أن ينصب الإمام، كما اقتضى ذلك إرسال الرسول... وشرح ذلك موكول إلى الكتب المفصلة المصنفة في هذا الشأن.
فهذا مراد العلامة وهو ظاهر لمن تأمل كلامه. فالاعتراض بما ذكر وكذا اعتراض بأن ما نقله عن الإمامية ليس تمام قولهم... ساقط).</div>
صفحة ٢١
ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول بالإمامة فنصب (١) أولياء معصومين، ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم، <div>____________________
<div class="explanation"> نصب الإمام لطف:
(١) واعترض عليه: إن أراد بقوله: نصب... أنه مكنهم وأعطاهم القدرة على سياسة الناس حتى ينتفع الناس بسياستهم، فهذا كذب واضح وهم لا يقولون بذلك، بل يقولون: إن الأئمة مقهورين مظلومين. وإن قيل: المراد بنصبهم أنه أوجب على الخلق طاعتهم، فإذا أطاعوهم هدوهم، لكن الخلق عصوهم. فيقال: فلم يحصل بمجرد ذلك...
قلت: قول العلامة " ليأمن " تعليل لاشتراط العصمة، و" لئلا... " تعليل للنصب. ثم إن " النصب " شئ و" التصرف " شئ آخر، فلا وجه لأن يراد " التصرف " من " النصب ". كما أنه ليس " المراد بنصبهم أنه أوجب على الخلق طاعتهم ". بل المراد من " النصب " هو الإقامة والجعل، قال الله تعالى:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/73" target="_blank" title="سورة الأنبياء: 73">﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا﴾</a> (1) فالله تعالى أوجدهم وجعلهم الأدلاء عليه لطفا ورحمة بالعباد، كما تنصب الرايات في الطرقات لاستهداء العابرين بها لطفا ورحمة بهم. فحال الإمام كحال الراية، من خالف ضل ومن اهتدى بلغ الغاية...
ولا ملازمة حتى يقال: " فلم يحصل بمجرد ذلك في العالم لا لطف ولا رحمة ".
كما لا ينكر اهتداء أقوام من الناس بهم، فقول ابن تيمية: " إن ما حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إياهم " كذب. فهذا سر التعبير ب " النصب ").</div>
صفحة ٢٢
فينقادون إلى أوامرهم، لئلا يخلي الله تعالى العالم من لطفه ورحمته، وأنه لما بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وآله قام بنقل الرسالة، ونص على أن الخليفة بعده علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم من بعده على ولده الحسن الزكي، ثم على الحسين الشهيد أخيه، ثم على علي بن الحسين زين العابدين، ثم على محمد بن علي الباقر، ثم على جعفر بن محمد الصادق، ثم على موسى بن جعفر الكاظم، ثم على علي بن موسى الرضا، ثم على محمد بن علي الجواد، ثم على علي بن محمد الهادي، ثم على الحسن بن علي العسكري، ثم على الخلف الحجة بن الحسن. عليهم أفضل الصلوات.
<div>____________________
<div class="explanation"> ثم إن من الأئمة من حصل له التمكن ومنهم من لم يحصل، كما كان الحال بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين، ومنهم من سيحصل له ذلك، وهو المهدي المنتظر المتفق على القول به بين المسلمين، وبه فسر قوله عز وجل: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/55" target="_blank" title="سورة النور: 55">﴿وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض﴾</a> (١) وقوله: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/105" target="_blank" title="سورة الأنبياء: 105">﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾</a> (2) وغيرهما من آيات الكتاب... حيث يحصل من وجوده وتصرفه النفع العام للعالم كله، كما كان إيجاده ونصبه إماما، لطفا ورحمة بالعباد. مضافا إلى أن طوائف من الناس انتفعوا به في غيبته في قضايا شخصية أو وقائع عامة أثبتها المحدثون الأثبات في كتبهم الخاصة به. وبهذا المجمل يسقط قول ابن تيمية: " وأيضا، فالمؤمنون بالمنتظر)</div>
صفحة ٢٣
وأن النبي صلى الله عليه وآله لم يمت إلا على وصية بالإمامة (1).
وذهب أهل السنة إلى خلاف ذلك كله، فلم يثبتوا العدل والحكمة (2) في أفعاله، وجوزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب، <div>____________________
<div class="explanation"> لم ينتفعوا به ولا حصل لهم به لطف... ".
(1) ستعرف ذلك بالتفصيل حيث نذكر النصوص والبراهين على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) واعترض عليه ابن تيمية: إن قوله عن أهل السنة: إنهم لم يثبتوا...
نقل باطل عنهم من وجهين: أحدهما: أن كثيرا من أهل السنة - الذين لا يقولون في الخلافة بالنص على علي ولا بإمامة الاثني عشر - يثبتون ما ذكره من العدل والحكمة على الوجه الذي قاله هو، وشيوخه عن هؤلاء أخذوا ذلك، كالمعتزلة وغيرهم ممن وافقهم من متأخري الرافضة على القدر، فنقله عن جميع أهل السنة الذين هم في اصطلاحه العامة من سوى الشيعة هذا القول كذب منه.
الوجه الثاني: إن سائر أهل السنة الذين يقرون بالقدر ليس فيهم من يقول إن الله تعالى ليس بعدل ولا من يقول إنه ليس بحكيم، ولا فيهم من يقول إنه يجوز أن يترك واجبا ولا أن يفعل قبيحا. فليس في المسلمين من يتكلم بمثل هذا الكلام الذي من أطلقه كان كافرا مباح الدم باتفاق المسلمين...
أقول: وكلا الوجهين جهل أو تجاهل أما الأول فيبطله أن مقصود العلامة من " أهل السنة " هنا خصوص " الأشاعرة ". ويشهد به قوله في نفس هذه المسألة في كتاب آخر: " قالت الإمامية ومتابعوهم من المعتزلة... وقال)</div>
صفحة ٢٤
وأنه لا يفعل لغرض، بل كل أفعاله لا لغرض من الأغراض ولا لحكمة البتة (1)، وأنه يفعل الظلم والعبث، وأنه لا يفعل ما هو الأصلح للعباد، بل ما هو الفساد في الحقيقة، لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر والظلم وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مسندة إلى الله - تعالى عن ذلك - وأن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يستحق عقابا، بل قد يعذب المطيع طول عمره المبالغ في امتثال أوامره تعالى كالنبي صلى الله عليه وآله، ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون. وأن الأنبياء على نبينا وآله وعليهم السلام غير معصومين، <div>____________________
<div class="explanation"> الأشاعرة: ليس جميع أفعال الله... " (1).
وأما الثاني فيكذبه ما نص عليه الحافظ ابن حزم المتوفى سنة 456 في الفصل 3 / 160 والشهرستاني المتوفى سنة 548 في الملل والنحل 1 / 92 والقاضي العضد المتوفى سنة 756 في المواقف، وسيأتي تفصيل الكلام عليه في الفصل الثاني.
(1) أقول:
سيأتي مزيد من الكلام على هذا كله في الفصل الثاني من الكتاب، وقد ذكر الفخر الرازي بتفسيره ما نصه: " إن العبد لا يستحق على الطاعة ثوابا، ولا على المعصية عقابا، استحقاقا عقليا واجبا. وهو قول أهل السنة واختيارنا " (2) لكن ابن تيمية يقول في جواب العلامة في هذا الموضع: " هذه فرية على أهل</div>
صفحة ٢٥
بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو وغير ذلك (1).
<div>____________________
<div class="explanation"> السنة " (1) فانظر من المفتري؟
وأما أن أفعاله ليست لغرض... فلم ينكره ابن تيمية. واستدل له الرازي عقلا ونقلا، قال: " أما النصوص فأكثر من أن تعد وهي على أنواع، منها ما يدل على أن الإضلال بفعل الله، ومنها ما يدل على أن الأشياء كلها بخلق الله... " (2) وقال: " قول أصحابنا: إنه يحسن منه كلما أراد، ولا يعلل شئ من أفعاله بشئ من الحكمة والمصالح " (3).
(1) اعترض عليه ابن تيمية بأن ما نقله عنهم أنهم يقولون إن الأنبياء غير معصومين فهذا الإطلاق نقل باطل عنهم، فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغون عن الله تعالى.
قلت:
قد ذكر العلامة مذهب الإمامية ومخالفيهم في هذه المسألة على الإجمال، فقال: بأن الإمامية ذهبوا إلى وجوب عصمتهم " بحيث لا يجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي وإلا لم يبق وثوق بأقوالهم وأفعالهم فتنتفي فائدة البعثة " وأن أهل السنة ذهبوا إلى " أن الأنبياء غير معصومين... " فأجمل القول في الموردين، ولم يفصل أن هذه العصمة متى هي؟ وفي أي شئ؟ وعن أي شئ؟
نعم ظاهر عبارته في طرف مذهب الإمامية هو الإطلاق، وهو كذلك، فإن)</div>
صفحة ٢٦
وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينص على إمام بينهم (1).
<div>____________________
<div class="explanation"> مذهبهم أنه لا يقع من الأنبياء السهو ولا النسيان، ولا تصدر منهم المعصية لا الصغيرة ولا الكبيرة، لا سهوا ولا عمدا، ولا فرق في ذلك كله بين حال قبل النبوة وحال بعدها، فيما يبلغونه عن الله تعالى وفي غيره.
وقد نفى هذا الإطلاق عن أهل السنة، لا أنه نسب إليهم كونهم غير معصومين مطلقا حتى يقال بأنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى... وسيأتي بعض التفصيل في المسألة في الفصل الثاني.
(1) أجاب ابن تيمية: ليس هذا قول جميعهم،، بل قد ذهبت طوائف من أهل السنة إلى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص.
أقول:
هذا كذب، فإن ما ذكر العلامة قول جميعهم - إلا البكرية، ولا عبرة بهم، لأنهم شر ذمة شاذة تعصبوا لأبي بكر واختلفوا في فضله وخلافته النصوص كما ستعرف - ففي المواقف وشرحها: " والإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثبتت إمامته بالإجماع وإن توقف فيه بعضهم... ولم ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد، خلافا للبكرية، فإنهم زعموا النص على أبي بكر، وللشيعة فإنهم يزعمون النص على علي كرم الله وجهه، إما نصا جليا وإما نصا خفيا، والحق عند الجمهور نفيهما " (1) وبه اعترف أهل الحديث كالمناوي (2)</div>
صفحة ٢٧
<div>____________________
<div class="explanation"> فقوله: " ليس هذا قول جميعهم بل قد ذهبت طوائف " كذب. نعم هو مذهب البكرية، لكن النص الذي يزعمونه من وضعهم ولا أصل له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال الحافظ ابن الجوزي: " قد تعصب قوم لا خلاق لهم يدعون التمسك بالسنة فوضعوا لأبي بكر فضائل " (1) وهؤلاء هم " البكرية " بالتحديد كما في كلام ابن أبي الحديد: " فلما رأت البكرية ما صنعت الشيعة، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: لو كنت متخذا خليلا، فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء. ونحو: سد الأبواب، فإنه كان لعلي عليه السلام، فقلبته البكرية إلى أبي بكر. ونحو: إيتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان، ثم قال: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر. فإنهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه: إيتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلون بعده أبدا، فاختلفوا عنده، وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله. ونحو حديث: أنا راض عنك فهل أنت عني راض؟ ونحو ذلك " (2).
ولا يخفى، أن هذه الأحاديث هي النصوص التي ربما يستدلون بها على خلافة أبي بكر، ثم يذعنون بعدم اعتبارها سندا أو سندا ودلالة، ومنها حديث:
" اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " حيث استدل به في بعض كتب الأصوليين، وقد نص غير واحد من محققيهم كالبزاز وابن حزم والعبري والحفيد:
على أنه موضوع ... وقد حققنا ذلك في رسالة مفردة، وقد طبعت والحمد لله في كتابنا (الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية).</div>
صفحة ٢٨