مستفادا على الاطلاق ولا شك ان هذا الكمال خير بالقياس إليه ثم لاشك انه مدرك لهذا الكمال والخير ولحصوله له فإذا هو ملتذ به وهي اللذة العقلية وأنت بعد المقايسة بين هذه اللذة واللذة الحيوانية تجد العقلية أشرف من الحسية وأقوى في الكيفية وأكثر (1) في الكمية اما انها أشرف فلان المدرك بالعقل ذات الله تعالى وصفاته وملائكته وكيفية وضع العالم الاعلى والأسفل والمدرك بالحسن سطوح الأجسام وعوارضها وإذا كانت المدركات العقلية أكمل وأعلى كان الابتهاج بوصولها أشرف وأسنى، واما انها أقوى كيفية فلان الادراك العقلي ينفذ في باطن الشئ ويميز بين الماهية واجزائها ولواحقها ويميز بين الجزء الجنسي والفصلي ثم يعتبر ذلك التمييز في كل جزء جزء واما الحس فلا شعور له الا بظاهر المحسوس، واما انها أكثر كمية فلان عدد الأمور المعقولة لا يكاد يتناهى وذلك أن أجناس الموجودات وأنواعها والمناسبات الحاصلة بينها غير متناهية واما الحس فان مدركاته محصورة في أجناس قليلة وان تكثرت فبالأشد والأضعف كالسوادين المختلفين في الحلوكة وإذا كانت الكمالات العقلية أقوى وأكثر وادراكاتها أتم كانت اللذة التابعة لها أشد لان فرقان ما بين اللذتين فرقان ما بين الكمال والادراكين فإذا اللذة العقلية أتم وأشرف من الحسية بل لا نسبة بينهما، لا يقال: لو كانت المعقولات كمالات للنفس الانسانية لوجب اشتياقها إلى حصولها ولتألمت بحصول أضدادها لكن التالي باطل فالمقدم باطل.
اما بيان الملازمة فلان كل قوة فإنها تشتاق إلى كمالاتها المستلزمة للذاتها وتتألم بحصول أضدادها كالباصرة فإنها تشتاق إلى النور وتتألم بالظلمة، واما بطلان التالي فظاهر لأنا نقول: الملازمة ممنوعة فان الاشتياق لا يجب الا بشرط عدم سبب عدمه لكن سبب عدمه هنا موجود وهو ان النفوس ما دامت في هذا البدن فهي مشغولة بالمحسوسات والعلائق الجسمانية فيمنعها ذلك عن الالتفات إلى المعقولات ويصرف وجوهها عن الاقبال عليها وما لم يقبل عليها لم يحصل لها ذوق فإذا لا يكون لها إليها شوق واما أضدادها فلاستمرارها
صفحة ٢٩