شرح المقاصد في علم الكلام

سعد الدين التفتازاني ت. 792 هجري
178

شرح المقاصد في علم الكلام

الناشر

دار المعارف النعمانية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

1401هـ - 1981م

مكان النشر

باكستان

أحدهما أنا لانم انتفاء قوة الحس والحركة في المفلوج وقوة التغذية في الذابل لجواز أن توجد القوة ولا يترتب عليها الفعل لفقد شرط أو وجود مانع فإن قيل لو انتفى الشرط أو وجد المانع لما ترتب حفظ الحياة قلنا يجوز أن يكون لبعض الشروط والموانع اختصاص ببعض الأفعال دون البعض فإن قيل القوة الواحدة لا تكون مبدأ إلا لفعل واحد قلنا فأي حاجة إلى ما ذكر من المقدمات والجواب أن الفلاسفة معترفون بانتفاء القوتين في المفلوج والذابل وثانيهما أن الحافظ يجوز أن يكون المزاج الخاص أو تعلق النفس بالبدن والجواب أن الكلام فيما يحفظ المزاج الخاص الذي به قوام الحياة في الحيوان الناطق وغيره وفيه نظر لأنهم لا يعنون بالنفس الجوهر المجرد بل مبدأ الحركات والأفاعيل المختلفة أو مبدأ الإدراك والتحريك الإرادي قال أما المدركة فالحواس الظاهرة والباطنه لأن الكلام في القوى التي يشترك فيها الإنسان وغيره من الحيوانات وأما القوة النطقية المدركة للكليات فستأتي في بحث النفس وكل منهما أي من قسمي القوة المدركة جنس أو بمنزلة الجنس لقوى خمسة كما أن المدركة جنس أو بمنزلة الجنس للقسمين وذلك ظاهر في الحواس الظاهرة لما أن كل أحد يجد من نفسه تلك الإدراكات ويعلقها بما يخصها من الآلات وأما الباطنة فتثبت بالبرهان كما سيأتي على التفصيل ثم لا جزم للعقل بامتناع حاسة سادسة من الظاهرة أو الباطنة إذ الممكن قد لا يوجد لانتفاء شرط من شرائط الوجود وما يقال أن الطبيعة لا تنتقل من درجة الحيوان إلى درجة فوقها إلا وقد استكملت جميع ما في تلك الدرجة فلو كان في الإمكان حس آخر لكان حاصلا للإنسان لأنه أعدل ما في هذا العالم ضعيف وكذا ما يقال ان الإدراك كمال للنفس وهي مستعدة لحصول الكمال ولا ضنة من جانب الواهب فلو أمكن وجود قوة أخرى إدراكية لكانت حاصلة للنفس ومنهم من زعم أن مدرك اللذة والألم حاسة أخرى غير العشر فإن من التذ أو تألم يجد من نفسه حالة إدراكية مغايرة لتعقل اللذة والألم وتحيلهما ويشبه أن تكون جميع الوجدانيات من الجوع والعطش والخوف والغضب وغيرهما بهذه المثابة فإنا نجد عند تحقق هذه المعاني حالة إدراكية مغايرة لحالة تعقلها بصورها الكلية أو تخيلها بصورها الجزئية والجواب أن اللذة مثلا من قبيل الإدراكات لأنها إدراك حسي أو عقلي ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير لا من قبيل المدركات ليطلب لها حاسة تدركها وفيه نظر وأما المحسوسات المشتركة مثل المقادير والأعداد والأوضاع والحركات والسكنات والأشكال والقرب والبعد والمماسة ونحو ذلك فليست كما يظن أن مدركها حس آخر بل إدراكها إنما هو بالحواس الظاهرة وإن كان بعضها قد يستعين بالبعض أو بضرب من القياس والتعقل قال أما الحواس الظاهرة فمنها اللمس هي قوة تأتي في الأعصاب إلى جميع الجلد وأكثر اللحم والغشاء من شأنها إدراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والخشونة والملاسة ونحو ذلك بأن ينفعل عنها العضو اللامس عند المماسة بحكم الاستقراء ولأنها لو أدركت البعيد أيضا لم يحصل التمييز بين ما يجب دفعه ومالا يجب فيفوت الغرض من خلق اللامسة أعني دفع الضارب وجلب النافع واللامسة للحيوان في محل الضرورة كالغاذية للنبات قال ابن سينا أول الحواس الذي يصير به الحيوان حيوانا هو اللمس فإنه كما أنه للنبات قوة غاذية يجوز أن تفقد سائر القوى دونها كذلك حال اللامسة للحيوان لأن مزاجه من الكيفيات الملموسة وفساده باختلافها والحس طليعة للنفس فيجب أن تكون الطليعة الأولى هو ما يدل على ما يقع به الفساد ويحفظ به الصلاح وأن يكون قبل الطلائع التي تدل على أمور تتعلق ببعضها منفعة خارجة عن القوام أو مضرة خارجة عن الفساد والذوق وإن كان دالا على الشيء الذي به تستبقى الحياة من المطعومات فقد يجوز أن يبقى الحيوان بدونه بإرشاد الحواس الآخر على الغذاء الموافق واجتناب المضاد وليس شيء منها يعين على أن الهواء المحيط بالبدن محرق أو مجمد وبالجملة فالجوع شهوة الحار اليابس والعطش شهوة البارد الرطب والغذاء ما يتكيف بهذه الكيفيات اللمسية وأما الطعوم فتطييبات فلذلك كثيرا ما يبطل حس الذوق أو غيره ويبقى الحيوان حيوانا بخلاف اللمس ولشدة الاحتياج إليه كان بمعونة الأعصاب ساريا في جميع الأعضاء إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد والطحال والكلية لئلا يتأذى بما يلاقيها من الحاد اللذاع فإن الكبد مولد للصفراء والسوداء والطحال والكلية معينان لما فيه لذع وكالرئة فإنها دائمة الحركة فتتألم باصطكاك بعضها ببعض ومولد للأبخرة الحادة ومصيب ومصعد للمواد فيتأذى بذلك وكالعظام فإنها أساس البدن ودعامة الحركات بمعنى أنها تجعل الحركات أشد بجعل أعضائها أقوى فلو احست لتألمت بالضغط والمزاجة وبما يرد عليه من المصاكات قال وأثبتها أي القوة اللامسة بعضهم للفلكيات زعما منهم أنها من توابع الحياة وللأملاك حياة لكون حركاتها نفسانية فيكون لها شعور ولمس بالضرورة والقول بأنها إنما تكون بجذب الملائم ودفع المنافي فيكون وجودها في الفلك الممتنع عليه الكون والفساد معطلا مردود بأن ذلك إنما هو في الأرضيات وأما في الفلكيات فيجوز أن توجد لغرض آخر كتلذذها بالملامسة والاصطكاك والجواب منع كونها من لوازم الحياة على الإطلاق وأما ما ذهب إليه البعض من وجود الملامسة للعنصريات بناء على أن الأرض تهرب من العلو إلى السفل على نهج واحد والنار بالعكس وذلك يدل على شعورهما بالملائم وغير الملائم ففي غاية الضعف قال ومال ابن سينا إلى تعددها الجمهور على أن اللامسة قوة واحدة بها تدرك جميع الملموسات كسائر الحواس فإن اختلاف المدركات لا يوجب اختلاف الإدراكات ليستدل بذلك على تعدد مباديها وذكر ابن سينا في القانون أن أكثر المحصلين على أن اللمس قوى كثيرة بل قوى أربع وقال في الشفاء يشبه أن تكون اللامسة عند قوم لا نوعا أخيرا بل جنسا لقوى أربع أو فوقها منبثا معافى الجلد كله

إحداها حاكمة في التضاد الذي بين الحار والبارد

والثانية في التضاد الذي بين الرطب واليابس

والثالثة في الذي بين الصلب واللين

صفحة ١٥