وافتنانه، والإكثار من الشعر في مظانه من الجد والهزل في المواضع اللائقة باستحسانه، ومقابلة كل باب بما يزيد في حسنه وبيانه، والجري مع أبي محمد حسب اتساع خطوه وامتداد ميدانه.
ومن تمام التصنيف ردّ الفرع إلى أصله، والجمع في الترتيب بين الشكل وشكله، فأتبعت المواعظ بما يزيدها أثرا في القلوب، وأردفت المسليات بما يعينها في إجلاء الكروب، وسلكت هذه المسالك في سائر الأساليب وأنواع الضروب؛ فإن وجد هذا الكتاب لفظ ظاهر الهزل أو معنى ينسب فيه إلى العذل؛ من وصف نور وثمر وذكر نديم وخمر أو نعت حسن وحسن أو مدح سماع وأذن، فلأن أبا محمد بدأ بأمر فتمم، وخص نوعا فعمم مع أن صنعة الأدب مبنية على الملح، وخواطر الأدباء جائشة بما سنح، فجاء من هذا الترتيب الغريب، ما يضرب في الإجادة بسهم مصيب، ويثبت لي في الجدّ والدءوب أوفر نصيب.
ثم رأيت الشارحين لها من أولى البصر كالفنجديهيّ وابن ظفر قد جردوا من شروحهم مختصرات وجيزة.، اقتصروا فيها على إيراد اللغات، فحذوت حذوهم في مختصر أوردتها فيه على الكمال، ووفّيتها حقها من رفع الغلط وكشف الإشكال، ولم أخلّ في تصريفها واشتقاقها بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال فجاء غاية في هذا الباب، مغنيا في اللغات الغريبة عن كل كتاب؛ فإن فاته هذا الأصل بضروب من الإفادات وأنواع من الزيادات، فلذلك الفرع شفوف الاستيعاب في اللغات، ومزية الاشتقاق والتصريف والشاهد من الشعر والآيات.
وكل ذلك بلطف الله تعالى، وبسعد من شرّفت كتابي بخدمته، وبنيت تأليفي على أداء شكر نعمته، ونصبت نفسي لأقف ببابه الأعلى، وأتزين بلثم تربته فأنا العبد وهو المولى؛ عماد الأنام، والظل الممدود على المسلمين والإسلام، ونعمة الله التي هي من أفضل النعم الجسام؛ منفق سوق المعارف، ومفجر بحور المنن والعوارف، والمجير بفضله وعدله من المفاقر الفادحة والمخاوف، سيدنا الخليفة الإمام أمير المؤمنين أبو عبد الله ابن إمام الأئمة الراشدين وولي عهده سيدنا الأمير الأجل أبو يعقوب، أيد الله سلطانهم، وأيد بيضتهم وحزبهم، وجمع القلوب على الانقياد لهم، والوجوه على التوجه قبلهم.
وهذا الكتاب وإن كان المعبر عن حسنه، والغاية الملتمسة في فنّه، والجامع لما افترق في سواه، والمبرّز بما وشحه من الزيادات وحلاه، فإنه لم يتم جماله ولا استوفى احتواءه على الفوائد واشتماله، إلا ببركة مولانا الخليفة، واقترن اسمه الكريم باسم ولي عهده المستحق للتقديم في الصحيفة فالحمد لله على التوفيق لخدمتهم، والمعونة على شكر نعمتهم، والتعرض لخيري الدنيا والآخرة في ظل حرمتهم.
وقد بذلت في الخدمة جهدي، وأبرزت من فوائد هذا التّأليف أنفس ما عندي، ولم
1 / 11