وحدّثني بها أيضا ببلدي الشيخ الفقيه الراوية أبو بكر بن مالك الفهري عن ابن جهور المذكور، وعن الشيخ الفقيه أبي الحجاج الأبّدي القضاعيّ كلاهما عن أبي محمد الحريريّ. وحدثني بها أيضا إجازة الشيخ الفقيه المحدث أبو محمد عبد الله بن محمد ابن عبد الله الحجريّ عن القضاعيّ، وحدثني بها أيضا الكاتب الزاهد أبو الحسن بن جبير عن الشيخ الجليل بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات القرشي المعروف بالخشوعي عن الحريريّ. وحدثني بها أيضا الشيخ الفقيه الأستاذ أبو ذرّ مصعب بن محمد بن مسعود الخشنيّ بسنده، بعد وقوفه ﵀ على هذا الشرح وأمره لي بتكليمه، وتلقيت بها جماعة من جلة الأشياخ أكثر في العدد ممن ذكرت؛ لا يعدمني واحد منهم إفادة ضبطية أو لفظية، ولا يفقدني زيادة هزلية أو وعظية فأخذتها أخذ متثبت، عن واع منكّت.
ثم لم أدع كتابا ألّف في شرح ألفاظها وإيضاح أغراضها، وتبيين الإنصاف بين انفصالها واعتراضها إلا وعيته نظرا، وتحققته معتبرا ومختبرا، وتردّدت في تفهمه وردا وصدرا، وعكفت على استيفائه بسيطا كان مختصرا؛ حتى أتيت على جميع ما انتهى إليه وسعي ممن فسرها، واستوعبت عامة فوائده الممكنة بأسرها؛ ولم أترك في كتاب منها فائدة إلا استخرجتها، ولا فريدة إلا استدرجتها ولا نكتة إلا علقتها، ولا غريبة إلا استلحقتها، ولا غادرت في موضع منها مستحسنا يشذّ عن جمعي، ولا مستجادا ينبو عنه بصري أو سمعي. فاجتمع من ذلك حفظا وخطا أعلاق جمة، وفوائد لم تهتم بها قبلي همّة، ثم لم أقنع بتبيين الدواوين، ولا اقتصرت على توقيف التصانيف؛ حتى ليقت بها صدور الأمصار، وعلماء هذه الأعصار، فباحثت وناقشت، وتأوّلت وتداولت، وطالبت المتحفّظ بالأداء، والمتيقظ بالإبداء؛ حتى لم أبق في قادحة زندا إلا اقتدحته، ولا مقفلا إلا افتتحته، فتحصّل لي من ذلك أيضا عيون صائبة النواظر، وفنون قلّما توجد في مخبآت الدفاتر.
وأنا في خلال ذلك ألتمس مزيدا، ولا أسأم بحثا وتقييدا، إلى أن عثرت على شرح الفنجديهيّ للمقامات- والفنجديهيّ هو الشيخ الحافظ أبو سعد محمد بن عبد الرحمن بن محمد المسعوديّ، من قرية فنج ديهة من عمل خراسان- فرأيت في شرحه الغاية المطلوبة، والبغية المرغوبة، والضالة التي كانت عنيّ إلى هذا الأوان مطوية محجوبة؛ فاستأنفت النّظر ثانيا، وشمرت عن ساعد الجدّ لا متكاسلا ولا وانيا، وعانيت نور المعنى في نور اللفظ فأصبحت مجتليا جانيا، فاستوعبته أيضا أبلغ استيعاب، وقيدت من فوائد ما لم أجد قبله في كتاب، وأخذت منه أحاديث مسندة أوردها، وآثارا مرفوعة قيّدها تليق بالباب الذي أوردت فيه، وتورد مصحّحة إما لألفاظه وإما لمعانيه، وحذفت أسانيد- وإن كان قد أوردها- تخفيفا عمن يريد المتن ويبتغيه فتم لي بهذا الغرض استيفاء مقاصده، واستيعاب فوائده. وتركته مستلب المعاني، مطروق المغاني، كالروض ركدت
1 / 9