شرح ما بعد الطبيعة

ابن رشد الحفيد ت. 595 هجري
81

شرح ما بعد الطبيعة

تصانيف

الفلسفة

قال ارسطو ا ] فلنقل الان اولا على ما ابتدانا به من مسئلتنا هل النظر فى جميع اجناس العلل لعلم واحد ام لعلوم كثيرة وكيف يمكن لعلم واحد ان يعلم الاوائل التى ليست بمتضادة فمعلوم ان كثيرا من الاوائل ليست لكثير من الهويات لانا لا نقول باى نوع يمكن ان يكون ابتداء الحركة فى الاشياء التى لا تتحرك وكيف تكون طبيعة الخير فى جميع الاشياء التى لا تتحرك ان كان كل ما هو خير بذاته وطبيعته غاية وتماما وهو بهذا النوع علة لان الاشياء الاخر تكون بسببه فان الغاية والذى بسببه يكون شىء اخر هو تمام لشىء من الافاعيل وجميع الافاعيل تكون بحركة فمعلوم انه لا يمكن ان تكون هذه العلة فى الاشياء التى لا تتحرك حركة نحو الاستكمال ولا يكون فيها شىء خير بذاته ولذلك لا يكون فى العلوم التعليمية ايضاح شىء من الاشياء بهذه العلة ولا يكون بها برهان البتة لا لانها افضل ولا لانها اخس وفى الجملة انه لا يدرك احد من الناس شيئا مثل هذه العلة البتة فى العلوم التعاليمية ولذلك كان اناس من السوفسطانيين يرفضون هذه العلة مثل ما فعل ارسطفوس فاما فى المهن الاخر والصناعات الدنية مثل النجارة وصناعة الاساكفة فهناك يقال افضل وادنى ولا يفحص اهل هذه الصناعة البتة عن الاشياء الجيدة والردية فمعلوم ان علوم العلل كثيرة ولكل علة اولية مبدا علم اخر فينبغى لنا ان نطلب اى علم من هذه يستاهل ان يسمى حكمة واى عالم بشىء من العلوم يستاهل ان يسمى حكيما فيعرف الشىء الذى نلتمسه هاهنا فانه لا يمكن ان تكون انواع جميع العلل لشىء واحد مثل ما هى للبيت فان علة البيت التى منها الحركة هى المهنة والبناء والعلة التى من اجلها البيت هى العمل وهيولى البيت الطين والحجارة وصورة البيت حده فعلى قدر ما فصلنا وقلنا اى علم من العلوم ينبغى ان يسمى حكمة يجب ان يسمى كل علم حكمة فاما الحكمة العالية المتقدمة الفائقة التى بقية العلوم تابعة معترفة لها فواجب ان يكون علم علة التمام والخير فان بقية العلل هى بسبب هذه العلة وقد قلنا اولا ان حكمة العلل الاول والشىء المعلوم جدا هو علم الجوهر فان الشىء يعلم بانواع كثيرة واكثر ما يعرف به من جوهره ناقص من اليونانى واذا اردنا ان نعرف كل واحد من الاشياء التى لها برهان فانا نظن انا نعرفها اذا نحن علمنا ما هى كقولنا ما التربيع فنقول ان التربيع وجود الوسط وكذلك سائر الاشياء فاما الاكوان والافاعيل وكل تغير فانما نعرفها اذا عرفنا ابتداء الحركة وهذه العلة هى غير علة التمام ومخالفة لها فمعلوم ان لمعرفة كل واحد من هذه العلل علم اخر التفسير يعنى بجميع اجناس العلل الاسباب الاربعة فكانه قال هل الفحص عن اجناس علل الموجودات هو لعلم واحد ام لعلوم كثيرة ثم قال وكيف يمكن لعلم واحد ان يعلم الاوائل التى ليست بمتضادة˹ وهذه مقدمة مشهورة وهى القائلة ان علم الاضداد واحد وليس يلزم من قولنا ان علم الاضداد واحد ان ما ليس باضداد فليس علمها واحدا الا فى المشهور وبادى الراى ولذلك كان هذا القول جدليا على ما شرط ان تكون الاقاويل المستعملة فى هذه المقالة وانما كان يكون القول لازما لو صح ان التى علمها واحد هى اضداد وهو عكس ان الاضداد علمها واحد ثم قال فمعلوم ان جميع الاوائل ليس لكثير من الهويات لانا لا نقول باى نوع يمكن ان يكون ابتداء الحركة فى الاشياء التى لا تتحرك يريد وايضا فانه من المعلوم بنفسه انه ليس توجد جميع العلل الاربعة لجميع اجناس الموجودات مثل الامور التى لا تتحرك فانه ليس يطلب احد فيها العلة المحركة ولا يمكنه ان يقول باى نحو يمكن ان توجد فيها العلة المحركة وهذه اراد بها التعاليم فانها وان كانت فى متحرك فانها متحركة بالعرض ثم قال وكيف تكون طبيعة الخير فى جميع الاشياء التى لا تتحرك ان كان كل ما هو خير هو بذاته وطبيعته غاية وتمام يريد وكيف يوجد السبب الذى هو غاية فى الاشياء الغير متحركة اذ كان الذى هو بذاته وطبيعته غاية فهو الذى اليه يتحرك المستكمل به ليتم وجوده بالاستكمال به وانما يصدق هذا القول على الاشياء الطبيعية والمتحركة ولما اخذ هذه المقدمة صادقة اخذ ان عكسها صادق ايضا وقوله وهو بهذا النوع علة لان الاشياء الاخر تكون بسببه يريد وهذا السبب اى الغائى هو بهذا النوع علة اى من جهة ما يتحرك اليه ما يستكمل به لان ما قبله يكون بسببه وهذا من امر السبب الذى على طريق الغاية بين ثم قال فان الغاية والذى بسببه يكون شىء اخر هو تمام لشىء من الافاعيل وجميع الافاعيل تكون بحركة يريد وانما وجب ان تكون الغاية فى الاشياء المتحركة لان الغاية انما هى غاية لفعل وحركة فاذا ما ليس فيه حركة فليس له غاية الا باشتراك الاسم ثم قال فمعلوم انه لا يمكن ان تكون هذه الغاية فى الاشياء التى لا تتحرك ولا يكون فيها شىء خير بذاته يريد من قبل هذه الاقاويل التى قلناها وانما قال بذاته لانه قد يتفق ان يكون فى الاشياء التى لا تتحرك خير لا بذاته وينبغى ان تعلم ان الذى يوصف بالخير والجيد هو السبب الغائى وذلك ان الخير هو المتشوق والسبب الغائى هو المتشوق ثم قال ولذلك لا يكون فى العلوم التعاليمية ايضاح شىء من الاشياء بهذه العلة ولا يكون بها برهان البتة يريد ولكون هذه العلة لا توجد فى التعاليم ليس يلفى فيها اعطاء سبب شىء من الاشياء المطلوبة فى ذلك العلم من قبل السبب الغائى ولا يتاتى فيها برهان يكون حده الاوسط هذا السبب وقد قال فى المقالة التى يتكلم فيها فى مبادى التعاليم انه قد يوجد السبب الجيد فيها وهو النظام الذى يكون فى الاعداد والاعظام والترتيب وفيه موضع فحص ثم قال ولذلك كان اناس من السوفسطانيين يرفضون هذه العلة مثل ما فعل ارسطفوس يريد انهم كانوا يجحدون وجودها فى جميع العلوم من قبل انهم لم يلفوها فى اوثق العلوم وهى التعاليم ثم قال فاما فى المهن الاخر والصناعات الدنية مثل النجارة وصناعة الاساكفة فهناك يقال افضل وادنى يريد انهم كانوا يعترفون بوجود السبب الغائى فى المهن والصنائع وذلك ان الافضل والادنى انما هو من قبل هذا السبب وقوله ولا يفحص اهل هذه الصناعة البتة عن الاشياء الجيدة والردية˹ فانما يريد به اهل صناعة التعاليم ثم قال فمعلوم ان علوم العلل كثيرة ولكل علة اولية مبدا علم اخر يريد واذا كان بعض الموجودات تختص من اجناس العلل ببعض دون بعض فواجب ان تكون العلل مختلفة من قبل اختلافها فى المبادى وان تكون انواع البراهين المستعملة فى صناعة غير انواع البراهين المستعملة فى صناعة اخرى واذا كان ذلك كذلك فالصنائع والعلوم كثيرة ثم قال فينبغى لنا ان نطلب اى علم من هذه يستاهل ان يسمى حكمة واى عالم بشىء من العلوم يستاهل ان يسمى حكيما فيعرف الشىء الذى نلتمسه هاهنا يريد واذا تقرر ان العلوم كثيرة وكان من المشهور ان هاهنا علما ينبغى ان يسمى حكمة فينبغى ان نطلب اى علم هو فانه لو كان علم واحد لجميع الاشياء لكان ذلك العلم هو الذى يستاهل ان يسمى حكمة ثم قال فانه لا يمكن ان تكون انواع جميع العلل لشىء واحد مثل ما هى للبيت فان علة البيت التى منها الحركة هى المهنة والبناء والعلة التى من اجلها البيت هى العمل وهيولى البيت الطين والحجارة وصورة البيت حده يريد وانما وجب ان تكون بعض العلوم تختص باعطاء سبب دون سبب لانه ليس كل واحد من الاجناس التى ينظر فيها العلوم توجد له الاسباب الاربعة مثل ما توجد للبيت يعنى ان هذا انما يوجد للعلم الطبيعى فقط ثم قال فعلى قدر ما وصفنا وقلنا اى علم من العلوم ينبغى ان يسمى حكمة ينبغى ان يسمى كل علم حكمة يريد وان كانت العلوم كثيرة وكانت الحكمة هى معرفة الاسباب وكان كل علم يحتوى على معرفة الاسباب التى فى ذلك الجنس فقد يعرض لنا ضد ما طلبنا وهو ان يكون كل علم يجب ان يسمى حكمة وقد كنا فرضنا ان هاهنا علما واحدا غير العلوم الجزئية يسمى حكمة هذا شك ثم قال فاما الحكمة العالية المتقدمة الفائقة التى بقية العلوم تابعة معترفة لها فواجب ان يكون علم علة الخير فان بقية العلل هى بسبب هذه العلة يريد لكن ان سلمنا ان كل علم يسمى حكمة فواجب ان يكون العلم الذى يسمى حكمة باطلاق هو الذى ينظر من الاسباب فى السبب الغائى الاقصى لجميع الموجودات من قبل ان جميع الاسباب هى من قبل هذا السبب اى من اجله ثم قال وقد قلنا اولا ان حكمة العلل الاول والشىء المعلوم جدا هو علم الجوهر فان الشىء يعلم بانواع كثيرة واكثر ما نعرفه به من جوهره يريد ان التى تسمى حكمة هى التى تعرف مع السبب الغائى الاول السبب الاول الذى هو الصورة والجوهر ايضا فان العلم الذى ينسب الى معرفة العلل الاول التى هى فى غاية التعريف للاشياء هو العلم ايضا الذى هو احرى ان يسمى حكمة فان الشىء كما قال يعرف بانواع كثيرة واتم ما يعرف به هو من قبل جوهره ولهذا الذى قاله اقتضى ان يسمى هذا العلم حكمة دون العلم الطبيعى وذلك ان العلم الطبيعى ينظر ايضا فى السببين الاولين المحرك والهيولى وهذا ينظر فى السببين الاقصيين الصورة والغاية ومن قبل فضل هذين السببين على ذينك الاخرين فضل هذا العلم على العلم الطبيعى اما الغاية فانها تفضل الاسباب من قبل ان سائر الاسباب من اجلها واما الصورة فتفضل سواها من قبل ان علم الشىء بها افضل من علمه بما سواها من الاشياء الموجودة فيه ثم اخذ يستشهد على ان علم الجوهر هو افضل علم يعلم به الشىء من الاشياء التى تكون فى الشىء فقال واذا اردنا ان نعرف كل واحد من الاشياء التى لها برهان فانا نظن انا نعرفها اذا نحن علمنا ما هى يريد والدليل على ان علم الجوهر هو اتم علم يكون للشىء انا اذا طلبنا ان نعرف كل واحد من الاشياء ببرهان فانما نعتقد انا عرفناه اذا اعتقدنا انا قد عرفناه بما هو اى بجوهره وحده ثم اتا بالمثال فى ذلك فقال كقولنا ما التربيع فنقول ان التربيع وجود الوسط وكذلك سائر الاشياء يريد مثال ذلك انا انما نرا انا قد عرفنا المربع المساوى للسطح اذا عرفنا انه الذى يكون ضلعه وسطا فى النسبة بين ضلعى السطح اعنى انه اذا قال قائل ما هو المربع المساوى للسطح فقيل له الذى يكون ضلعه وسطا فى النسبة بين ضلعى السطح المساوى له ثم قال فاما الاكوان والافاعيل وكل تغيير فانما نعرفها اذا عرفنا ابتداء الحركة يريد فاما الاكوان والافاعيل التى توجد للموجودات المتكونة فليس نعرفها المعرفة الحقيقية الا اذا عرفنا هيولى الحركة والفاعل لها وقوله وهذه العلة هى غير علة التمام ومخالفة لها يعنى العلة التى هى مبدا الانفعال وهى الموضوع والهيولى ثم قال فمعلوم ان لمعرفة كل واحد من هذه العلل علم اخر يريد فقد تبين من هذا ان لمعرفة كل واحد من اجناس هذه العلل علم يختص به وان هاهنا علما واحدا يسمى حكمة وهو الذى يختص بالنظر فى الصورة الاولى والغاية الاولى والقول الذى ادى الى هذا المعنى هو برهانى والاقاويل التى قدمها مناقضة له هى جدلية

[4] Textus/Commentum

صفحة ١٩٢