مذاهب الفرق في إثبات الرؤية
هذا الفصل عقده المؤلف رحمه الله تعالى لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة الرؤية، فإن أهل السنة والجماعة يؤمنون بما دل عليه كلام النبي ﷺ صراحة من أن المؤمنين يرون ربهم، وإثبات الرؤية جاء في كتاب الله ﷿ وفي سنة النبي ﷺ، واتفق عليه صحابة رسول الله ﷺ والتابعون ومن تبعهم من أئمة الدين.
فالرؤية من أعظم ما ينعم به أهل الجنة نسأل الله أن نكون منهم، والأدلة متواترة مستفيضة في إثبات هذا الفضل.
وقد خالف في إثبات الرؤية المعتزلة والرافضة والجهمية، وكذلك خالف في هذا الأشاعرة، فهم يقولون: بأن المؤمنين يرون ربهم، لكنهم يخالفون أهل السنة والجماعة في هذا الإثبات، فيقولون: يرونه من غير معاينة ولا مواجهة، وهذا القول انفردوا به دون سائر الناس، وهو من عجائب الأقوال؛ لأن إثبات الرؤية في غير جهة ومن غير معاينة أمر لا يعقل، إذ لابد للرؤية من أن يكون المرئي في جهة وأن يعاين، وإلا فلا تقع رؤية، ولذلك قال محققوهم -أي محققو الأشاعرة-: إن قولهم في الحقيقة قول المعتزلة الذين ينفون الرؤية، أي: ينفون رؤية المؤمنين لله ﷿ في الآخرة.
فهذه الصفة يثبتها أهل السنة والجماعة كما دل عليها الكتاب والسنة وإجماع السلف.
يقول المؤلف ﵀: (والمؤمنون يرون ربهم)، المؤمنون: هم كل من آمن بالله وباليوم الآخر وأتى ببقية أصول الإيمان، (يرون ربهم بأبصارهم)، فأثبت الرؤية وأثبت آلتها، فالباء بقوله: (بأبصارهم) للاستعانة، أي: لبيان الآلة التي تحصل بها الرؤية، أي يرونه بأعينهم، وإنما نص على الأبصار نفيًا لقول من يقول: إن الرؤية ليست رؤية بصر وإنما هي رؤية كشف، فيكشف لهم من المعارف والعلوم ما ليس لغيرهم، يكشف لهم يوم القيامة من معرفة الرب جل وعلا مالم يكن يعرفونه، وأيضًا للرد على الأشاعرة بالتنصيص على الأبصار لأنهم يقولون: إنهم يرونه من غير معاينة ولا في جهة، فإنه لا يدرك ولا يعقل رؤية بالبصر إلا ما كان في جهة.
والمعتزلة أولوا هذا الذي جاءت به النصوص إلى أنه رؤية كشف أو رؤية ثواب الله ﷿، فالذين لا يثبتون الرؤية يؤولونها برؤية الثواب أو برؤية كشف يحصل لأهل الإيمان.
7 / 3