أقسام العبودية ومعناها
ثم قال رحمه الله تعالى: [المعبود في كل زمان] .
أي: أنه ﷾ له العبودية، والعبودية قسمان: القسم الأول منها: عبودية عامة شاملة لا يخرج عنها أحد، بل تشمل جميع الخلق، كما قال ﷿: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم:٩٣]، وهو ﷾ معبود -أي: العبودية التي هي مقتضى الربوبية- عند جميع الخلق؛ لأنه ﷾ هو خالقهم، وهو ربهم ﵎، لهذا فإن هذه العبودية العامة الشاملة لا يخرج عنها أحد من إنس ولا من جن، ولا مؤمن ولا كافر، ولا من البشر ولا من الملائكة، ولا من شمس ولا من أرض، ولا من بحر ولا من هواء، فالكل عبيد لله ﷾ مسخرون له ﵎ مطيعون، وهذا مما دلت عليه النصوص الكثيرة؛ فإن الله ﷾ هو الذي خلق الخلق، وهو الذي يأمرهم، وهو الذي يقدر لهم ما يشاء، وهم خاضعون له؛ فحتى بني آدم الذين أعطاهم الله ﷾ عقولًا هم أيضًا في نشأتهم في هذه الأرض وفي حياتهم فيها، بل وفي رزقهم وأجلهم وموتهم وألوانهم وأطوالهم وما يجري داخل أجسامهم من حركات القلب والدم والهضم إلى آخره؛ كل ذلك هو خاضع لله ﷾؛ فليس للإنسان إرادة في أن يختار كيفية معيشته، ولا كيفية نفسه، ولا كيفية ضخ الدم في عروقه إلى آخره.
إذًا: هذا في الإنسان العاقل المكلف، فكيف بغيره من المخلوقات؟! هذه هي العبودية الشاملة التي لا يخرج عنها أحد.
النوع الثاني من العبودية: العبودية الخاصة، وهذه العبودية الخاصة هي التي يتميز بها المؤمنون عن الكفار، فالمؤمنون هم الذين يعبدون الله ﵎ مخلصين له على وفق شريعته التي أمر بها على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام.
فقول المؤلف رحمه الله تعالى: (المعبود في كل زمان) قد يدخل فيه العبودية العامة وقد يدخل فيه العبودية الخاصة بالمؤمنين.
وقوله: (في كل زمان) أيضًا وفي كل مكان، والمعنى: أنه لا يخلو زمان أو مكان من وجود من يعبد الله ﷾، وهذا هو الذي علمناه من أخبار رسل الله الكرام، ومما أخبرنا به رسول الله ﷺ بأنه: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بالحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تباك وتعالى) .
1 / 6