الرد على منكري الرؤية في استدلالهم بآية (لا تدركه الأبصار)
ليس المقصود أن المؤمنين حين يرون ربهم أنهم يكيفونه، بل هو ﷾ لا تحيط به الأبصار، ولهذا قال ﷾: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣]، والمتأولة احتجوا بهذه الآية على أن الله تعالى لا يرى، وإذا كان المتأولة هم أهل اللغة فإن الرؤية غير الإدراك؛ فأصحاب موسى لما لحقهم فرعون كانوا يرونه، فلما خشوا أن يلحق بهم فرعون قالوا لموسى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء:٦١]، فلو كان الإدراك بمعنى الرؤية لكان قولهم: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء:٦١] خطأ؛ لأنهم يرونهم، ففرعون وقومه يرونهم، ومع ذلك قال موسى ﵊: (كلا)، أي: لا ندرك، ولو كان المعنى (كلا لا نُرى) لكان الكلام أيضًا غير صحيح؛ لأنهم رأوهم ولم يدركوهم بإذن الله تعالى، وذلك لما أذن الله تعالى لموسى بأن يضرب بعصاه البحر.
إذًا: أحيانًا أنت ترى الشيء ولا تدركه، بل القمر، أو الشمس، أو الكوكب، أو الجبل العظيم نراه، لكن لا ندركه.
إذًا: قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣] آية عظيمة دالة على الرؤية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإنه قال في أحد مقاماته: ما احتج النفاة بدليل إلا ودل على ضد قولهم، فهذه الآية: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣] احتج بها المعتزلة وهي دليل على ضد قولهم؛ لأن قوله: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣] نفي، والله ﷾ لا يوصف إلا بما يتضمن مدحًا، فلو كان المعنى أنه لا يُرى أبدًا لم يكن ذلك مدحًا، لكن لما قال: (لا تُدْرِكُهُ) دل على أن نفي الإدراك مع ثبوت الرؤية هو أعظم المدح لله ﷾، فدلت الآية على هذا.
8 / 11