التسليم المطلق لا يكون إلا لله ورسوله
قال الموفق ﵀: [وقد أُمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنازلهم، وحُذرنا المحدثات، وأُخبرنا أنها من الضلالات، فقال النبي ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)].
مقام السنة والاتباع يعتبر بأصلين:
الأصل الأول: العلم.
والأصل الثاني: التسليم.
وهما المذكوران في قول الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥] فالتسليم الذي لا يبنى على العلم فإنه غير مقصود في الشريعة، ولهذا كان التسليم المطلق للأعيان بدعة حدثت في الإسلام، وأول من أحدثها الشيعة ثم الصوفية، فصاروا يسلِّمون لأئمتهم تسليمًا مطلقًا، حتى اعتقد بعض طوائفهم عصمة الأئمة.
إن التسليم المطلق بلا علم لأعيان أهل العلم فضلًا عمن دونهم ليس مقصودًا في الشرع؛ بل لا يكون إلا لله ﷾، ولحكم نبيه ﷺ، وأما غير النبي ﷺ فإنه يراجع في قوله، حتى يكون على وفق مقاصد الشريعة.
فهنا قوله تعالى: ﴿حَتَّى يُحَكِّمُوكَ﴾ [النساء:٦٥] فلا بد من مقام العلم ومقام التسليم، وهذان الأصلان هما مبنى السنة، فلابد أن يكون صاحب السنة والمقتدي بآثار السلف على علم وتسليم، ولا يمكن أن تقوم الحقائق في القلوب ويعظم شأنه ﷾ إلا بالعلم الذي يصاحبه التسليم.
وكذلك مقام العلم وحده الذي ينقطع عن التسليم، بل يقوم على الجدل ليس مقصودًا في الشريعة؛ ولهذا لم يعظم الله ﷾ مقام الجدل ولا جعله منهجًا للمؤمنين، بل لم يذكر هذا المقام إلا في حق المجادلة للكفار، كقول الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ﴾ [النحل:١٢٥] أي: جادل الكفار، وقوله: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت:٤٦] فمقام المناظرة والجدل لم يذكر في سياق المؤمنين، إنما ذكر في سياق قوم كفار.
فلا بد من اعتبار هذين المقامين: مقام العلم وهو التحكيم، ومقام التسليم.
4 / 2