شرح لمعة الاعتقاد - يوسف الغفيص

يوسف الغفيص ت. غير معلوم
124

شرح لمعة الاعتقاد - يوسف الغفيص

تصانيف

شفاعته ﷺ في عمه أبي طالب وهذه الشفاعة خاصة به ﷺ وخاصة بـ أبي طالب، وهذا خاص به وخاص لـ أبي طالب، فليس هناك نبي أو رسول أو غيرهم يشفع لكافر، فإن الكفار محجوبون عن الشفاعة، كما قال تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر:٤٨] أما أبو طالب فإن النبي ﷺ اختصه بهذه الشفاعة وعدًا من الله. وإذا قيل: إن هذا الحديث معارض لظاهر القرآن! قيل: هذا ليس صحيحًا، إنما هذه حالة مخصوصة لـ أبي طالب، والذي ذكر في القرآن هو مسألة العذاب من جهة رفعه، وأما من جهة درجات العذاب فإن هذا لم يذكر شأنه في القرآن، وأبو طالب لم يحصل له بالشفاعة رفع العذاب عنه وإنما حصل له قدر من ماهية العذاب، ولهذا فإن العباس لما قال للنبي ﷺ كما في الصحيح: (هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم، هو في ضحضاح من النار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار). وهنا سؤال هل النبي ﷺ سأل ربه الشفاعة لـ أبي طالب وأن يخفف عنه العذاب فأجابه الله إلى ذلك فخفف عنه العذاب، أم أن الأمر هو أن الله قضى لـ أبي طالب هذا القضاء بسبب حاله مع الرسول ﷺ؟! الجواب: لا يلزم أنه سأل ربه ذلك، لكن الله أخبره أن عمه على هذا القدر من العذاب بسببه، ولولا مقامه مع رسول الله ﷺ لما كان على هذا القدر، بل كان أشد. ونقول: إن الأصل والمناسب لأصول الشريعة أن هذا هو قضاء الله، إلا إذا جاء نص صريح في السنة النبوية يبين أن النبي ﷺ شفع وسأل ربه لعمه سؤالًا مختصًا فأجيب إليه، فإن قوله ﵊ للعباس لما سأله لا يلزم منه أنه حصل هذا عن عن سؤال، إنما كان هذا عن إخبار من الله للنبي في شأن عمه، وبين الله لنبيه أن هذا بسبب حاله مع رسول الله. إذًا .. الأصل وظاهر بعض النصوص في الصحيحين وغيرهما أن هذا كان من قضاء الله المحض الذي ليس فيه شفاعة، ولكنه قرن بسببه ﷺ، فما درج عليه شفاعته لـ أبي طالب فلا نجزم فيها بنفي، لكن نقول: هذا معتبر بثبوت النص، فإن ثبت نص صريح في أن النبي شفع له قيل: هذه شفاعة أجيب إليها. وإن لم يثبت قيل: هذا قضاء الله، ولكن ذكر سببه وهو مقامه مع النبي ﵌، وهذا الفهم إذا لم يوجد نص هو الذي يصار إليه ولا يعدل إلى غيره، وكما هو مذكور في الحديث أنه ليس إخراجًا من النار وإنما هو تخفيف من شأن عذابه، وهذا دليل على أن أبا طالب كان كافرًا خلافًا لما زعمته بعض طوائف الشيعة أنه أسلم إلى آخره، فإن هذا كله من الكذب الذي ليس بشيء. وباختصار: فإن مسألة أبي طالب تحتاج إلى تعمق وتتبع للنصوص، فإذا لم يصح فيها نص بذكر الشفاعة فلا تعد من مسائل الشفاعة وإنما تعد من قضاء الله المختص بـ أبي طالب، وأما إبراهيم فإنه يشفع لأبيه فلا يشفعه الله فيه كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة: (يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول إبراهيم لأبيه: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب! إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله له: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم! انظر ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ -أي: أن صورة آزر تقلب إلى سبع- فيقول إبراهيم: بعدًا بعدًا، فيؤخذ بقوائمه إلى النار) فلا تقبل شفاعة نبي أو رسول في أحد من أقاربه أو من غيرهم، إنما هذا خاص بـ أبي طالب. والأظهر أنه قضاء من الله ﷾ وليس عن شفاعة، وهذا هو الأنسب في الأصول، وهو المناسب لظاهر القرآن في قوله تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر:٤٨]، وقوله تعالى في شأن أبي طالب: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة:١١٣] وإن كان هذا في الاستغفار، وقال النبي ﷺ: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي) وكذا في قصة نوح مع ابنه. ولهذا لك أن تقول: إن فيه خصوصية لـ أبي طالب؛ لأن قائلًا قد يقول: وغيره من الكفار الذين لهم بعض الحسنات هل يخفف عذابهم بحسناتهم كمن يبذل المال أو الماء أو العتاق أو يبذل في بعض وجوه الخير؟ الجواب: النبي ﷺ قال في حديث أنس الذي رواه مسلم وغيره: (إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها) والمراد بالحسنة هنا: لا يلزم أن الكفار ما يعرفون الخير، فالله يقول: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء:١١٤] وهذه كلها أوجه من الخير تصدر من المسلم والكافر، ولهذا قال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:١١٤] أي: في الآخرة، ولهذا فإن الكافر قد يفعل الخير على مثل هذا الوجه. أبو طالب لم تكن حسنته لوجه الله ﷾، إنما كانت حسنة مع رسول الله من أجل القرابة والصلة والسؤدد .. إلى آخره من أوجه المقاصد عند أبي طالب، لم يجز عليها في الآخرة.

14 / 13