قال جار الله: فإن قلت: لم خص الخير بالكسب والشر بالاكتساب؟
قلت: في الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجزبة إليه، وأمارة به كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولما لم يكن ذلك في باب الخير، وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال والتصرف أ. ه.
قال الجار بردي: فالكسب تحصيل الشيء على أي وجه كان، والاكتساب المبالغة الاعتمال فيه، ففي الآية تنبيه على لطف الله تعالى بخلقه، أثبت لهم ثواب الفعل على أي وجه كان، ولم يثبت عليهم عقاب الفعل إلا على وجه مبالغة واعتمال فيه أ. ه.
قال اللقاني: ما لجار الله هو مبني ما ذكره الجار بردي من تعريف الكسب والاكتساب، والتنبيه على سر الآية، فقول الغزى إنهما متخالفان، وإن قول جار الله ومن تبعه لما كان إلخ أولى من قول الجار بردي سهو، وقد يقال: لا سهو بل متخالفان، فإن الجار بردي ذكر أن الشر يقع على مبالغة وعدمها، وجار الله ذكر أنه يقع على مبالغة، والجار بردي صرح بأنه لا عقاب على المعصية، إلا أن فعلت بمبالغة، وليس كذلك، وجار الله ذكر أن المعصية على الإطلاق تشتهيها النفس، وتعلمها أكثر من عمل الخير فيفيد أنه يعاقب على المعصية مطلقا، وهو الحق إلا الصغيرة، فإنه لا يعاقب عليها من اجتنب الكبائر، وأما من مات بالكبائر فلا صغيرة عنده إلا وقد رجعت كبيرة يعاقب بها، كما هو مذهبنا معشر الإباضية.
ولكن آلحق عندي أن الصغيرة لا ترجع كبيرة على الحقيقة بل الإصرار عليها يكون كبيرة، ومن معاني افتعل الإغناء عن الثلاثي فيفيد معناه، كالتحى أي طلعت لحيته، واستلمت الحجر أي قبلته، وهو افتعلت من السلمة، ويقال أيضا، استلأمت الحجر بلام ساكنة بعدها همزة مفتوحة.
صفحة ٢٠٤