ويجاب: بأن شرك الثلاثي وهو المادة الأصلية إنما يدل على أن أحدهما بحسب النطق شريك، وأما دلالته على الآخر فبالالتزام، وبمنع لزوم تحصيله الحاصل، لأن المستفاد من شرك معنى لا يتصور إلا بين اثنين، إذ هو مفهومه، وأما تثبيته إلى الأول وتعلقه بالثاني صريحا وبالعكس ضمنا فإنما هو مستفاد من صيغة الفاعل، إذا بنيت منه، ويأتي ذلك في تمثيل صاحب التحقيق: بقاسمت شريكي، وتمثيل بعضهم: بخاصمته.
ومن معاني فاعل بفتح العين معنى ثلاثيه المجرد: كجاوزت الشيء بمعنى جزته، ورافعت الحجر بمعنى رفعته، وسافرت بمعنى سفرت، وهاجرته بمعنى هجرته، فهو نسبة الفعل إلى الفاعل لا غير، وإنما عدل في ذلك إلى صيغة فاعل، لأن الزنة في الأصل للمبالغة والمباراة، والفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب، ولا مبار لزيادة قوة الداعي إليه.
قال صاحب التحقيق: قيل ومنه: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم).
قلت: وجهه أن الله لا يخدع خلقه، والمؤمن لا يخدع غيره، والخادع إنما هو الكافر فقط، فليس يخادع للمفاعلة أما خدعهم الله فمبني على زعمهم أنه يمكن خدعه بأن يخفى عنه شيء يخدع به وحاشاه، وأما خدعهم المؤمنين فممكن قطعا، ولك أن تجعله للمفاعلة أما خدعهم الله والمؤمنين فعلى ما ذكر، أو على مشابهة صورة صنعهم مع الله والمؤمنين، حيث تظاهروا بالإيمان صورة صنع الخادع.
وأما مخادعة الله والمؤمنين لهم فلأن صورة صنعه معهم من اجراء أحكام المسلمين عليهم، وهو عالم بكفرهم تشبه صورة الخادع، وكذا صورة صنع المؤمنين معهم، حيث أجروا أحكام المسلمين عليهم لجهلهم حالهم، ولك أن تجعله من باب المجاز الاسنادي، أو المجاز بالحذف، بأن يكون المراد يخادعون رسول الله وهو الخليفة في الأرض، والناطق عن الله، ومخادعة المؤمنين، ورسول الله مع الكفار على ما سبق.
صفحة ١٦٨