مسألة تعدد المجالس واختلاف الروايات
هذه مسألة أخيرة في عرض السنة على السنة: وهي إذا كانت المجالس قد تعددت واختلفت الروايات فالعلماء قالوا في المجالس المتعددة: إذا أثبتنا أن المجالس متعددة فإننا نجمع بين هذه الروايات التي وردت في المجالس، مثال ذلك في المخالفة أو في تعدد القصة: (أن النبي ﷺ خرج إلى ذي الحليفة فصلى وبعد الصلاة أحرم النبي ﷺ وأهل بالحج والعمرة).
وفي رواية أخرى: (أن النبي ﷺ استوى على ناقته، فلما استوى على ناقته قال: لبيك اللهم بحج أو بعمرة)، في الرواية الأولى أن النبي ﷺ أهل بالحج بعد السلام، والرواية الثانية فيها أن النبي ﷺ أهل بعدما استوى على ناقته، وهناك رواية ثالثة: (أهل النبي ﷺ بعدما علا شرف البيداء) فعندنا ثلاث روايات، فأي هذه الروايات تكون أصح؟ قال بعض العلماء: الرواية الثالثة هي الأيسر والرواية الأولى هي الأصح، فجاء ابن عباس ورسم لنا طريقًا واضحًا فقال: لا مخالفة بين الروايات الثلاث: فالذين رووا القصة الأولى ثقات أثبات فلا نوهمهم، والذين رووا القصة الثانية ثقات أثبات فلا نوهمهم، والذين رووا القصة الثالثة ثقات أثبات فلا نوهمهم، ثم قال ابن عباس: في هذه الحالة نقول: لا نوهم الرواة الثقات ونجمع بينهم بأن النبي ﷺ فعل هذا وفعل هذا وفعل هذا، وهذا الفعل منه ﷺ من أجل التيسير على الناس، إذ إن هذه الشريعة السمحاء ما جاءت إلا بالتيسير على الناس، فكأن النبي ﷺ يقول: أريد أن أييسر عليكم، لكن من أراد الفضل فإن الفضل كل الفضل والكمال كل الكمال أن تحرم بعدما تسلم في المسجد، لكن إن كنت لم تقلم أظافرك ولم تستعمل السواك كما استعمل النبي ﷺ فلك أن تؤخر الإحرام حتى تستوي على الناقة، وهناك تيسير أكبر أن تحرم وأنت على البيداء، فكان هذا تيسير على الأمة، وكان هذا جمعًا لطيفًا من ابن عباس، وكان تقعيدًا وتأصيلًا لكل محدِّث ينظر في متون السنة هل يضعف أو لا يضعف، أو يقبل كل الروايات من الرواة الثقات دون أن يوهمهم؟ والنظر في تعدد القصة من أهم القواعد، فهناك قاعدة عند أهل الحديث وهي: إعمال الأحاديث أولى من إهمال أحدها، فنعمل بكل ما جاء عن النبي ﷺ قدر استطاعتنا، فكل ما ورد عنه ﷺ وهي لا يمكن أن يطرح؛ لأن فيه الفائدة.
3 / 17