من أوجه الاستثناء أن الإنسان لا يدري بماذا يختم له
هنا وجه ثالث أيضًا في مقاصد السلف في الاستثناء: وهو أن الإنسان لا يعلم ماذا يختم له، فيقول: هو مؤمن إن شاء الله؛ لأنه لا يدري بالخاتمة، والله ﷾ هو العليم بذلك.
إذًا قد يستثني من يستثني من السلف أو يسّوغ الاستثناء أو يأمر به؛ لكون الإنسان لا يدري ماذا يختم له.
وهذا الوجه -أعني الثالث- يختلف عن الوجه الذي كان يعلل به ابن كلاب، فقد كان يذهب إلى إيجاب الاستثناء في الإيمان؛ ويعلل ذلك بأن الإنسان لا يدري ما يوافي به ربه.
فالمؤمن عنده الموافي.
والفرق بين اعتبار ختم العمل عند من يستثني من السلف وبين مسألة الموافاة عند ابن كلاب ومن وافقه، أن ابن كلاب كانت عنده قاعدة -وهي قاعدة بدعية- وهي: أن الإيمان هو ما يوافي العبد به ربه، فمن علم الله أنه يوافيه بالإيمان فإنه لا يزال محبوبًا له حتى حال كفره، ومن علم الله أنه لا يوافيه إلا بالكفر فإنه لا يزال مبغَضًا عنده حتى حال إيمانه الذي يعقبه كفر وردة ..
وهذا الوجه من البدع الحادثة في كلام ابن كلاب؛ ولهذا إذا قال شيخ الإسلام: "وهذا الوجه في الاستثناء لم ينطق به أحد من السلف"، فلا بد أن يفرق بينه وبين مسألة الختم؛ فمسألة ختم العمل وجه معروف في كلام السلف، وأما الموافاة فمراد ابن كلاب بها: أن الإيمان هو الموافاة، وأما الإيمان الأول -الذي لا يوافي به، أو يعقبه ردة وما إلى ذلك- فليس إيمانًا، وكذلك الكفر الأول الذي يعقبه إيمان لا يكون صاحبه حال كفره مبغضًا .. !
ولا شك أن هذا غلط، بل الكفار حال كفرهم مع أن الله يعلم أن منهم من يؤمن مبغضون عنده ﷾.
5 / 7