باب ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان
قال المصنف ﵀: [باب ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان].
[قال أبو عبيد: حديث النبي ﷺ: (لعن المؤمن كقتله) وكذلك قوله: (حرمة ماله كحرمة دمه) ومنه قول عبد الله: (شارب الخمر كعابد اللات والعزى) وما كان من هذا النوع مما يشبه فيه الذنب بآخر أعظم منه، وقد كان في الناس من يحمل ذلك على التساوي بينهما، ولا وجه لهذا عندي، لأن الله قد جعل الذنوب بعضها أعظم من بعض فقال: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء:٣١] في أشياء كثيرة من الكتاب والسنة يطول ذكرها، ولكن وجوهها عندي أن الله قد نهى عن هذه كلها وإن كان بعضها عنده أجل من بعض، يقول: من أتى شيئًا من هذه المعاصي فقد لحق بأهل المعاصي، كما لحق بها الآخرون، لأن كل واحد منهم على قدر ذنبه قد لزمه اسم المعصية، وإن كان بعضهم أعظم جرمًا من بعض، وفسر ذلك كله الحديث المرفوع حين قال: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله، ثم قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج:٣٠]) فقد تبين لنا الشرك والزور، وإنما تساويا في النهي نهى الله عنهما معًا في مكان واحد، فهما في النهي متساويان وفي الأوزار والمأثم متفاوتان، ومن هنا وجدنا الجرائم كلها، ألا ترى السارق يقطع في ربع دينار فصاعدًا وإن كان دون ذلك لم يلزمه قطع؟ فقد يجوز في الكلام أن يقال: هذا سارق كهذا، فيجمعهما في الاسم وفي ركوبهما المعصية، ويفترقان في العقوبة على قدر الزيادة في الذنب، وكذلك البكر والثيب يذنبان فيقال: هما لله عاصيان معًا، وأحدهما أعظم ذنبًا وأجل عقوبة من الآخر، وكذلك قوله: (لعن المؤمن كقتله) إنما اشتركا في المعصية حين ركباها، ثم يلزم كل واحد منهما من العقوبة في الدنيا بقدر ذنبه، ومثل ذلك قوله: (حرمة ماله كحرمة دمه) وعلى هذا وما أشبه أيضًا.
قال أبو عبيد: كتبنا هذا الكتاب على مبلغ علمنا، وما انتهى إلينا من الكتاب، وآثار النبي ﷺ، والعلماء بعده، وما عليه لغات العرب ومذاهبها، وعلى الله التوكل، وهو المستعان].
هذا الباب إشارةٌ من المصنف إلى أن الكبائر درجات وليست واحدة، وهو إشارة من وجهٍ آخر إلى أن ما سماه الشارع كفرًا أو نفاقًا، أو نفى اسم الإيمان عن صاحبه، أو ذكر البراءة منه في الجملة أعظم من غيره، وهذا حكمٌ مجمل، ولا يلزم منه أن يكون حكمًا مفصلًا.
وأما ما قرره بعض المتأخرين من أن ما سماه الشارع نفاقًا أو سماه كفرًا أعظم مما كان من الكبائر مما لم يسم في كلام الله أو رسوله بهذا الاسم، فهذا خطأ.
11 / 2