شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة

حسن أبو الأشبال الزهيري ت. غير معلوم
78

شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة

تصانيف

معنى التقدم بين يدي الله ورسوله وموقف الصحابة من الأمر بعدم التقدم قال: [وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ [الممتحنة:٦]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات:١]]. التقدم بين يدي الله: هو أن ترى غير ما أمرك به الله، وهو أن يحكم الله تعالى في قضية بحكم ثم أنت لا ترى هذا الحكم، وترى رأيًا آخر يخالف حكم الله ﷿، وكذلك أن يحكم النبي ﵊ في قضية ما بحكم السماء، ثم أنت لا ترى ما حكم به النبي ﵊، بل تذهب فتحكم فيها برأيك وهواك، فهذا تقدم بين يدي الله ورسوله. والصحابة ﵃ قد ضربوا أروع الأمثلة لما نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:١ - ٢]. كان ثابت بن قيس بن شماس جهوري الصوت بطبيعة الخلقة التي خلقه الله تعالى عليها، كان صوته عاليًا جدًا، كان إذا تكلم أسمع الناس كلها، فإذا تكلم في مجلس النبي ﵊ علم الناس أن المتكلم هو ثابت بن قيس بن شماس، فظن ثابت بن قيس أن هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات:٢] نزلت في شأنه؛ لأن صوته عال. فقوله: ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ﴾ [الحجرات:٢] أي: لا ترفعوا أصواتكم عليه، وتجهروا عليه بالقول: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:٢]، فلما سمع ثابت بن قيس هذه الآيات لزم بيته وقال: أنا من أهل النار، أنا قد حبط عملي، أنا الذي نزلت فيّ هذه الآية، ولذلك تفقده النبي ﵊ عدة أيام كما كانت عادته ﵊، فلما لم يره سأل عنه، فأخبروه بما كان من أمره، قال: (اذهبوا إليه وبشروه بالجنة). إذًا: المقصود أن ترى أنت غير حكم الله وترى غير حكم النبي ﵊، لكن عمل الصحابة بظاهر هذه الآية. وقد جاء عن أبي بكر الصديق أنه قال بعد نزول هذه الآيات: [(يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار)، يعني: كمن يحدث أخاه سرًا. وأما عمر فكان النبي ﵊ يستبينه في الكلام مرة ومرتين وثلاثًا؛ لأن عمر يتكلم بصوت يتكلف فيه الخفض، حتى يقول له النبي ﵊: ماذا تقول يا عمر؟ فيعيد عمر إعادة غير مسموعة، فيستعيده النبي ﵊. إذا كان هذا موقف الصحابة من مجرد التلفظ مع الطاعة، فما بالكم بمن يهجم على الله وعلى رسوله ﵊؟ شتان بين زمان الصحابة وزماننا، وقلوبهم وقلوبنا، وطاعتهم وانقيادهم وطاعتنا وانقيادنا.

4 / 15